5 أكتوبر، 2024

في محراب الدمار: أنفاسٌ في ظلال الحرب

Img 20240930 Wa0003

كتبته: الإعلامية سبأ الجاسم الحوري.

في زاويةٍ من هذا العالم المهتز على إيقاع الرصاص والانفجارات، حيث تُغتال الأماني وتختفي ملامح الحياة كما كنا نعرفها، تنتصب حكايات البشر كأعمدةٍ من رماد. إنها حكاياتُ قلوبٍ أثقلتها الأيام، وعقولٍ تائهة بين ضجيج المعارك وصدى الانفجارات. ليست الحرب مجرد نزاعٍ بين جيوش أو أرضٍ يتنازعها أصحابها، بل هي نارٌ تستعر في روح الإنسان، تحرق الأحلام وتلتهم ما بقي من الأمل في غدٍ أكثر سلامًا.

 

في كل زاويةٍ من زوايا الحرب، يوجد قلبٌ ينكسر، ووجهٌ يتلوى تحت وطأة الألم. هناك أرواحٌ تقف على حافة الحياة، تبحث عن نجاةٍ في بحرٍ من الظلام. الوجوه المرهقة، المغطاة بغبار القنابل، تحمل في عيونها قصصًا لا تنتهي. وجوهُ أطفالٍ لم يعرفوا طعم اللعب، وأمهاتٍ حُرموا من طعم الأمان، وآباءٍ ضاعوا بين الأنقاض باحثين عن ما تبقى من ملامح أحبابهم.

 

الحرب كغيمةٍ سوداء تحجب شمس الحياة، لكنها تترك خلفها رمادًا يسرد حكايات الانكسار. البيوت التي كانت يومًا ما مأوى للأحلام، صارت أطلالًا تعج بأشباح الخوف واليأس. بين كل حجرٍ متساقط، تختبئ قصة أملٍ لم تكتمل، وصوت ضحكةٍ انطفأت قبل أن تلامس السماء. الشوارع التي كانت تزهو بالحركة والفرح، أصبحت مسرحًا لصمتٍ ثقيل. حتى الهواء صار مشبعًا برائحة الخسارات.

 

وتظل الحرب تنهش في أجساد الناس وأرواحهم بلا رحمة. تمشي في خطاها، تترك خلفها ندوبًا لا تندمل. هناك طفلٌ يبحث عن حضن أمه في ركامٍ لم يعد يذكر ملامحها، وامرأةٌ تجلس وحيدة في ظلامٍ دامس، تحاكي ذكرياتٍ تحاول أن تهرب منها. رجلٌ ينظر إلى السماء، يتساءل متى تنتهي هذه الغمامة القاتمة؟ لكنه يعلم في قرارة نفسه أن الحرب لا تنتهي بجرة قلم، بل تُقتلع من جذورها بصرخات الأمل.

 

رغم ذلك، وفي قلب هذا الظلام، يظل الإنسان معاندًا. يبقى على قيد الأمل، يصرّ على أن يستمر في العيش رغم قسوة الأيام. لأن الحرب، مهما عظمت وتوحشت، لا تستطيع أن تنتصر على إرادة الحياة. ففي كل زاوية مدمرة، ينبض قلبٌ يحلم بالسلام. وفي كل عينٍ مغلقة على ألمها، يتربص حلمٌ بغدٍ جديد.

 

نعم، الحرب تسلب الأرواح وتسرق الأماني، لكنها أيضًا تفتح الأبواب أمام ولادة جديدة. الأمل قد يتوارى، لكنه لا يموت أبدًا. إنه كالبذرة التي تختبئ تحت الركام، تنتظر بصيص ضوء لتشق طريقها نحو السماء. الإنسان، رغم كل ما يعانيه، لا يتوقف عن الحلم ولا يتخلى عن البحث عن غدٍ أفضل.

 

وفي نهاية المطاف، تهزم الحرب نفسها. إنها تنكسر تحت ثقل الوجوه التي قاومت، تحت وطأة الأحلام التي لم تتركها تتحكم بمصيرها. تبقى الجروح، لكنها ليست نهاية القصة. الإنسان يستمر، ينهض من تحت الأنقاض، يمسح جبينه الملطخ بالدماء، ويواصل السير نحو الغد. لأن في قلب كل دمار، هناك بداية جديدة تنتظر أن تُكتب، وكما في كل حرب، يأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس جديدة تحمل معها السلام.

 

 إنها ليست حكاية حرب فقط، بل هي قصة حياة. حياة مليئة بالصراع، لكنها مليئة أيضًا بالأمل. قصة شعبٍ ينكسر ويعود أقوى، مثل الأرض التي تعود للنمو بعد كلِّ شتاءٍ قاسٍ.

عن المؤلف