الكينونة والسيرورة

كتب: أحمد السيد 

 

الكَيْنُونَة هي الحياة؛ إنها الوجود، لنكون تعني لنعيش، أو لنتواجد، تجد الكَيْنُونَة أو الوجود تعبيرًا لها في مختلف نواحي الحياة: في التفكير والتكلم والعمل والاختبار والشعور؛ إن جميع نواحي الحياة لها أسسها في الكَيْنُونَة. كانت الأفعال الثلاثة كان – سار – صار، وما زالت محور الفلسفة، والعمود الفقري لكل الأبحاث الإلهية والطبيعية والإنسانية، باعتبار أن الكينونة هي بدء الوجود، والسيرورة هي حركة سير الزمن، والصيرورة هي ما انتهت إليه الكينونة الأولى بعد مرورها بمرحلة السيرورة.

 

فمن “كان” جاء اسم الكينونة والوجود، ومن سار جاء اسم السيرورة، وهي حركة سير الزمن الخارجة عن سلطان الفعل الإنساني، ومن ” صار ” جاء اسم الصيرورة.

 

فإذا ما تكلمنا عن المادة والزمن (الكينونة والسيرورة)، فنحن قطعًا لا نستطيع ذلك عمليًا وفعليًا، إذ ثمة بعد ثالث ينتج عن الارتباط اللا منفصم بين المادة والزمن، هو التطور والتحول من “كان” في حالة اولى، الى “صار” في حالة ثانية، ولو أن الوجود اقتصر على محوري الكينونة والسيرورة دون تطور وصيرورة لثبت الوجود على شكل واحد جامد لا تنوع فيه، ولانتفت ظاهرة الموت؛ لأن الموت صيرورة تنتج عن تغير في كينونة الكائن الحي، تغيرًا يطال طبيعة وجوده المادي، أما الكائنات غير الحية فالتغير فيها يقتصر على الشكل، وهذا ما عبر عنه تعالى بقوله عز من قائل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.

 

 

من خلال هذه المحاور (الإحداثيات) يمكن مناقشة وفهم الوجود الطبيعي (الكوني)، ويمكن مناقشة وفهم حركات المجتمعات الإنسانية، فالكينونة في الوجود الكوني، هي الوجود المادي الذي يشغل حيزاً من الفراغ، وهي الوجود المادي خارج الوعي الإنساني، والسيرورة هي الزمن(الحركة)، المرتبط بالمادة ارتباطاً لا انفصام فيه، وباعتبار هذا الارتباط بين المادة والزمن، فنحن نقول إن الحركة هي شكل الوجود المادي، إنما يظل هذا الفهم ذا بعدين، مقتصرًا على محورين، إن لم نأخذ محور الصيرورة بعين الاعتبار.

عن المؤلف