12 ديسمبر، 2024

حوار خاص مع الكاتب المتميز وائل محروس لمجلة إيڤرست الأدبية

 

 

حوار: سعاد أيمن

 

كأنه أتى من الماضي، بأسلوبه الفريد وكلماته التي تشبه تميمة المواساة أو لحن هادئ منفرد عُزف ليبقى أثره خالدًا، إنه المتألق وائل محروس، البداية أحب أن أرحب بك بمجلة إيفرست الأدبية.

 

_نريد أن نعرف من هو وائل محروس؟

 

وائل محروس، الشخص الذي ألاحقه منذ أن عرفته، أنا دائمًا في سباق مع نفسي، الوحيد الذي أقارن نفسي به هو وائل محروس، هو هناك في مكان ما ومكانة ما، أسعى جاهدًا لأكونه والوصول إليه، لأكون نفسي كما أريد أنا، لا كما يرغب الآخرون، ذلك الطفل الذي يكبر في كل خطوة، العلامة التي أهتدي إليها كلما ضاقت بي الأفق وضلت بي الطريق، أن أكون وائل محروس هو ما سأظل أقاتل من أجله حتى آخر زفرة من جسدي.

_أري أن وائل محروس ذا طابع خاص، وأسلوب فريد، فهل لنا أن نعرف كيف بدأت مسيرتك الأدبية ومتى؟

 

في السنة الثانية من الجامعة، أهدتني صديقة لي كتاب، رواية للكاتبة أحلام مستغانمي، لم أستطع إنهاء قراءة الرواية وبحثت أنا عن أشياء تشبهني فوجدت مصادفة على الرصيف رواية الغريب للكاتب ألبير كامو ومن هنا بدأت في البحث عن نفسي وأيضًا كنت أحاول أن أدون ما يجول في خاطري جملة أو اثنين، وفي يوم ما كنت عائد الي بيتي في القطار، شيءٌ ما قال لي أكتب الآن، أتذكر جيدًا كتبت في هذه المرة عدة صفحات تحت عنوان ضجر ومن بعدها تعرفت على شيءٍ ما في وألفنا بعضنا، أقرأ كثيرًا لأستفزه وأكتب كثيرًا ليحثني على الإستمرار.

 

_حدثنا عن كتابك “كم ألوح لأطير” وماهي خطوتك القادمة؟

 

“كم ألوّحُ لأطير”؛ كتابٌ نثريٌ يحمل في طياته من النثر، “قصيدة ورسالة”

الفصل الأول من الكتاب يضم بعض القصائد النثرية قطع نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور.

 

غير موزونة وتأتي القافية فيها في مناطق مختلفة من الابيات وأحياناً تكون غير مقفاة، تحمل صورًا ومعاني شاعرية وأغلبها تكون ذات موضوع واحد، خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبتي في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية.

 

الفصل الثاني تحت عنوان “هذه نبوءتي”؛ يضم بعض النصوص النثرية المسرودة التي تخدم هدفًا أكبر من كونها نص بل حالة شعورية مررتُ بكاملي فيها ولم يخرج منها سوى بعضي، مشاعر حقيقية جسدنت ما أنا عليه الآن..

 

الفصل الثالث هو الأكبر تحت عنوان “لماذا لا تكتبين إلي!”؛ مجموعة من الرسائل، أو أحداث وحالة شعورية وجدانية وعبارة عن يوميات مكتوبة على هيئة رسالة، ومرسلة لشخصٍ مجهول وليس بالضرورة أن يكون هناك ردًا ولكن ننتظر ونلح ولا يأتي! وبعدها يحدث ما كنا نخشاه ونأمله ويأتي الرد على هيئة شخص يزيح تعب السنين والانتظار.

 

وفي النهاية يرحل كما جاء بغتة، جسدت مشاعر حقيقية اخرجتها من الخاص للعام على هيئة قصيدة ورسالة، لوّحت في كتابي كثيرًا وفي كل مرة عادت يدي إلي جنبي وخاب رجائي.

 

وبالنسبة لخطوتي القادمة، انتهيت مؤخرًا من تنسيق ديوان نثري، وأنا في حيرة من أمري ما بين نشره أو الاحتفاظ به بعض الوقت، ومؤخرًا أيضًا انتهيت من دورة تدريبية للتعرف على الرواية وعناصر بنائها، الخطوة القادمة أما ديوان نثري أو رواية.

 

__لكل كاتب رسالة، فما هي رسالة وائل محروس التى يحاول الوصول إليها؟

 

أن أكتب؛ أنا أكتب لأقول لكم أنني لا أستطيع البكاء، أكتب لكم لأن شيئًا ما هنا يمنعني من التنفس بصورة طبيعية، ولأن لا مخرج من هنا سوى الكتابة، هذا المتنفس الصغير الذي من خلاله أحاول أن أكون أنا كما أريد، لا كما يريدني الآخرون، علينا أن نكتب دائمًا، ليس لأننا أمِلين أن أحدهم سيقرأ، بل لأن كل ما هو موجود وكل ما نشعر به يستحق أن يوجد في كلمة أو نص أو في قصيدة، الكتابة هي الخلْق، تتحكم في مصير الكلمة بدلًا من كونها رصاصة يمكن أن تجعل منها ضمّادة أو قبلة أو حبل مشنقة.

 

وببساطة تجمع أبطال روايتك في صفحة واحدة وتعدمهم غرقًا بالقهوة، كلمة تكسرك وأخرى تشفيك وكلمة تقتلك وأخرى تُحييك هكذا هي الكلمات مثل البشر تمامًا، أن نكون أنفسنا هي أعظم رسالة يمكن أن يقدمها المرء في حياته، متمثلاً في الإنسانية الحقّة بعيدًا عن زيف الفضائل ونقائص البشر المخجلة، وعندها ستكون هناك فرصة ولو ضئيلة لننتصر على الأنا ونتصرف لمرة واحدة وحقيقة ونحمي كلمة “نحن”.

 

_ هل هناك نصيحة يحب وائل محروس توجيهها للكتاب الشباب وما هي؟

 

ألا يتوقفوا عن ملاحقة أحلامهم، حتى لو سُلخت أقدامهم في الركض نحوها، البحث والقراءة والمثابرة والتدريب على الكتابة، هي أشياء يجب أن تكون روتين يومي لأولئك الذين يحلمون أن يصيروا كتابًا، هي أشياء أقولها لنفسي أيضا، ألا ينال الرضا مما وصلوا إليه، الكاتب طفل يظل يتعلم طوال حياته ولو شعر للحظة أنه كبر عندها يضيع شغف تعلم شيء جديد، حافظوا على ذلك الطفل بداخلكم، إذا أردتم حقًا أن تصبحوا كتابًا فيجب أن تخرج من أجل الكتابة، الكتابة فقط، لا من أجل شيءٍ آخر.

 

_من المثل الأعلى لدى وائل محروس؟ وما أحب الإقتباسات إليه؟

 

في الرواية نجيب محفوظ و دوستويفسكي وتشيخوف، وفي الشعر محمود درويش والعزيز رياض الصالح الحسين، في كتاباتهم أجد نفسي مفهومًا بدون أي جهدٍ يذكر.

 

بالنسبة للإقتباسات الأحب إليّ، ليس شيء محددًا ولكن كل ما يكبته الذين ذكرتهم أنفًا وغيرهم الكثير.

_هل هناك ما يحب وائل محروس أن يضيفه بهذا الحوار؟

 

لدي الكثير لأقوله، ولكن ستجدونه في أعمالي القادمة إن شاء الله.

 

$كم أتمنى ألا ينتهي الحوار عند هذا الحد، ولكن بالنهاية أريد أن تنير هذا الحوار ببعض من كلماتك!

 

أحب شيء إلي، أول نص كامل كتبته

 

“ضَجَر ”

 

أيُها العَالَمْ :نحنُ الذين نُزيّن الوجود ولمْ تُحِبُنا يومًا ولمْ يُحِبُنا الآخرون، لَمْ تتقبل وجودنا ترىٰ أننا عِلّه ومرضٌ يتربصُ بجسدِ الأرض أنا معك، نحنُ آفة لابدّ أن يُستطابُ منها، نحنُ أمراضٌ يرعىٰ كُلٌّ مِنّا في جسد الآخر، ولكن الإنسان مهما عظمت قواه فهو هيّن، وهنْ، أنت الآفه! تربتُ علىٰ كتف البعضِ دون البعض، تَزفُ كل ما هو حزين لتُسعدُنا! نحنُ نرضىٰ بأقلِ الأشياء ألماً، نحنُ الفقراء كسوتُنا الألم! ،هناك تفضيل لا شك مع أننا نفس النشأة، الخِلقه لَمْ نَكنْ خِرقه!

دفعني الشعور بالوحدة إلى أن أكون موجودًا، لم يُثبط من همتى ولم يفلُّ من عزمي، تعلمتُ أن أسيرُ مُنتصباً لا مُترنحاً، وإن أثملني الحُزن أتكئ علىٰ عُزلتي، تعلمتُ كيف أتسكع وأُمشط الأرصفة واُناجي الله غيبًا، وأن أبكي من خلف العويِنَات دون أن يلاحظني أحد ولكن لم أفلح في إخفاء نشيجي، ألا ألتفت، ألا أكترث، أغيب وأغرق في أفكاري كأني سحابة هشّه! تأبى السماءُ أن تُطلق سراحها، أنا لا أرى أحد وإن رأيت! فالكل متشابهين، تعلمتُ أن أمدح عُزلتي ناهيك أن فى أوقات ضعفي تقضم ظهري، فقط تعلمتُ أن أكون عَدمًا، يومًا بعد يوم تَتقلص رغبتي، تَضّمُر، كُلّ شئٌ مُستمرٌ في إرهاقي، ولا يَسعني أن أشتكي من إفتقاري لدرعي! كُلّ شَيءٍ يرشح ألمًا، عمري المُتسخ بالسواد يلفظ أنفاسه الأخيرة جردتني العُزلة من كُلّ أساليب البقاء إلا تلك التي تُساندني علىٰ الحياة في كنفها، والألمُ أفرغني من كُلّ أملٍ حتى لو كان مهترئً، أصرخُ ملئ حنجرتي ومن يمنعني إذاً! أضحك، أضحك عاليًا حتى اختنق لا لعبًا ولا فرحًا بل تعبًا وترحًا.

 

أيّها العَالَمْ القابعُ هناك، هناك حيث كل هناك! نحنُ لا نراك، ربما لأن نشِيجُنا خَلّف ضبابًا أعمىٰ أبصارنا، حتّى أنت لم تَعُد تلتفت إلينا ولم تَعُد قاسيًا كما كنت بل إزددت لؤمًا وحنقًا منا، ولكننا بشر من طين والبكاء أكثر ما يُضعفُنا، إنه يُحللُنا، لم يبقى مِنا شيئًا سوى دمعةٍ تأبى السقوط وإن سقطتْ فهو الموت، رجاءً اسقِطُها.

عن المؤلف