22 فبراير، 2025

آباء بِلا أبناء

 

 

كتبت: آية تامر
نَخُطُّ بِألقامنا ونُحلِّق في سماء الثقافة بِحُرية؛ فكم نحنُ عطشىٰ للارتواء من نهر العِلم، ونعزفُ بِأحرُفنا على أوتار القلوب ونسحرُ العقول بقُدرتنا على التعبير عمَّا يجول بالخواطر؛ فما كان قد كان وما هو كائن يُمكننا إحداث التغيير به عن طريق العزوف عن كُل ما هو غير مشروع؛ فما جاء الدين إلا لِيُكرِّمنا ويحفظ إنسانيتنا من بطش الجهل والفساد الأخلاقي والديني اللذيْن اجتاحا الألباب .

 

أما بعد:
وما كان السلام إلا من الإسلام والتسليم بالقضاء والقدر، وإعمال العقل واجب علينا ومن تعاليم الإسلام أن نتأمل في الكون وفي كُل ما خلقَ اللّٰه حتىٰ نزداد ذكاءًا ونتعلم العِظات والعِبَر ومع الوقت نُدرِك مسؤوليتنا تِجاه كُل شيء وقبل ذلك تِجاه أنفُسنا .
رِضًا منّا ويقينًا بِقولهِ تعالىٰ « إنَّ كُلَّ شيءٍ خلقناهُ بِقَدَرْ» أي أن ميزان العدل واضح ولن تطغي إحدىٰ الكِفتين علىٰ الأُخرىٰ؛ لهذا نحنُ مُطمئنين ونعلم أن نصيبنا من السعادة سيأتينا حتمًا إذا رضينا بِكُل ما هو قُدِّر لنا ونحنُ لا نعلم الحِكمة من ورائه.

 

قال رسولُ اللّٰه صلىٰ اللّٰه عليه وسلم: «إنَّ أبغضَ الحلال عِندَ اللّٰه الطلاق»، هذا يحدُث حينما نُهمل القواعد الأساسية فيختل الترتيب فالاختيار الصحيح للشريك الذي تأنس به رُوحك ويسكُن إليه فؤادك هو من الشروط والأحكام الضرورية لِنجاح العلاقة الزوجية فهي أن يتشارك الزوجان كُل شيء مدىٰ الحياة، فتكاد تكون حياةً أُخرىٰ ويُكمِلان نقص بعضِهما فقال تعالىٰ: «وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ»
فأهم شيء في العلاقة هو توفر المودة والرحمة فينعم الطرفان بالسَكينة والأُلفة .

 

ولهذا من الطبيعي أن يحدُث التفكُك الأُسري وينهار البناء لأن الأساس غير متين، وهذه إحدىٰ أبرز المشاكل والقضايا الاجتماعية التي تواجهنا مُنذُ سنوات وإلىٰ أن تدهور الوضع ونتج عن ذلك ظواهر كثيرة سيئة وكُل تِلكَ الأحداث انعكست علينا بالسلب وكان أول من تعرض للأذىٰ هُم الأبناء وخاصةً أولئك الذين لم يبلغوا سن الرُشدِ فحُرِموا من طفولتهم ولم يلقوا الحنان ولم يحصلوا على الأمان الكافي؛ ليعيشوا حياة سليمة، تُعاني الكثير من المُجتمعات من تِلكَ المُشكلة وعلى رأسهم المُجتمع المصري ولا سيما عندما يصل الأبناء إلى مرحلة المُراهقة ويحدُث الانحراف الأخلاقي بسبب إهمال الأهل وعدم وجود الرقابة اللازمة منهم، وعدم قيامهم باستخدام الأسلوب الصحيح في التربية فمن الطبيعي أن تحدُث كُل تِلكَ الكوارث والخسائر وينهدم المُجتمع ويتدمر الكثير من الأبناء عندما يُصابون بأمراض مثل: الاكتئاب والانفصام والكثير من الأمراض النفسية والجسدية وهُم في سن صغير!
ولهذا وضع لنا الإسلام الأُسُس والقواعد السليمة؛ لِنسير عليها وفق منهج صحيح.

 

يقولُ أحدُهم: لم أتحمل المسئولية في حياتي كما يجب أنْ تكون، لَطالما كُنتُ أُهمِلُ وأُقصِّر في حق أبنائي مِنْ الناحية المعنوية والمادية أيضًا؛ لذلك لم يعيشوا حياة طبيعية في استقرار وكان مِنْ الطبيعي ألا يكونوا أسوياء نفسيًا، فَلطالما عانوا مِن مُشكلات نفسية لا أعلم عنها شيء والغريب في الأمر أنني دائمًا كُنتُ أراني مِثاليًا ولا يُوحد مثلي أو مَن يقوم بما أقوم بهِ، ولم أعترف بِتقصيري أبدًا؛ بل كُنتُ أُكابر عن عمد وغير عمْد إلى أنْ وصلنا إلى أنَّ قاضي محكمة بشرٌ عادي ننتظر أنْ يحكُم بيننا وما كانوا لِيلجأوا إليه لِأخذ حقوقهم الطبيعية إلا أنَّهُ لِكُّل فعل رد فِعل مُشابه لهُ في القسوة ورَّد الأذىٰ عنهم وحمايتهم وتأمين مُستقبلهم الذي كُنتُ أنا أولىٰ أنْ أُحافظ عليه، ومع ذلك أعترف أنَّهم أيضًا ظلموني إلى جانب أنني ظلمتُ نفسي؛ فلم يشعروا بي وبِكمِّ المُعاناة وأنا أخشىٰ أن أظهر ضعيفًا، وكمية كبيرة مِنْ الضغط تجعلُني أسلُك طُرُق خاطئة وأظهر في صورة البرئ، لا أُنكر أنني عشتُ كثيرًا في دور الضحية ولم أمَّل هذا الدور إلى وقتنا هذا ولم أهتم لِآرائهم أو شكواهم إلى أنْ أصبحوا غُرباء عني ليسوا أبنائي ولا أنا أباهُم، لا ينفعُ الندم حينما أصبحتُ أنا يتيمًا بِدونهم فقد عِشتُ أبًا بِلا أبناء .

عن المؤلف