كتاب الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هاني الميهى
الفصل الثاني:
الهارب لا يهرب عبثًا
🔹 الجزء الثالث
يا قارئي العزيز،
حين يبتعد الهارب، لا يختفي فجأة كما يظن الناس.
هو فقط يتراجع خطوةً بعد أخرى، حتى يغدو الصمت هو لغته الجديدة.
ذلك الصمت ليس فرارًا من المواجهة، بل حماية لسلامٍ داخلي خاف أن ينهار مرةً أخرى.
الهارب يعيش صراعًا بين القلب والعقل،
بين ما يريده وما يخاف أن يخسره إن اقترب.
يبدو باردًا في الظاهر،
لكن في داخله ضجيج لا يُحتمل،
أسئلة تنهش روحه، وذكريات تُعيده دائمًا إلى أول لحظة جرحٍ لم يُشفى بعد.
الناس يظنون أن الهارب أناني،
لكن الأنانية الحقيقية هي أن تُبقي إنسانًا في مكانٍ يتألم فيه
فقط لأنك لا تريد أن تشعر بالوحدة.
الهارب لا يهرب ليكسر قلوب الآخرين،
بل ليُنقذ قلبه من كسرٍ جديد لم يعد يحتمله.
أحيانًا، يكون الهروب نوعًا من الاعتذار الصامت.
اعتذارٌ من الحياة التي لم تمنحه وقتًا ليلتقط أنفاسه،
ومن نفسه التي لم تفهمه إلا بعد فوات الأوان.
كل خطوةٍ يبتعد بها، هي محاولة ليجد ما فقده في زحام الآخرين: ذاته.
يا قارئي،
الهروب ليس عيبًا إن كان وسيلتك للنجاة.
لكن العيب أن تهرب من نفسك،
أن تترك جراحك خلفك دون أن تعالجها،
فتظن أنك تحررت، بينما أنت فقط غيّرت السجن.
كل الهاربين الحقيقيين يعلمون أن لا هروب دائم.
هناك دائمًا لحظة تعود فيها إلى نفسك،
فتجلس أمام مرآتك، وتواجه السؤال الأصعب:
هل كنت تهرب منهم… أم من شيءٍ يسكنك؟
حينها فقط يدرك الهارب أن الطريق الذي ظنه خلاصًا،
كان في الحقيقة جسرًا يعبره ليصل إلى وعيٍ جديد.
وعيٌ لا يلوم، ولا يندم،
بل يفهم، ويغفر، ويمضي.
#الهاربوالمطاردفلسفةالتعلقوالانسحاب
#هانى_الميهى






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد