مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

تقلبات النفس بين الفصول بقلم سميرة السوهاجي 

‏تقلبات النفس بين الفصول بقلم سميرة السوهاجي

‏تمضي النفس البشرية في رحلتها الطويلة بين الضوء والعتمة، بين مدّ العاطفة وجزر العقل، كأرضٍ تدور داخلها الفصول الأربعة في آنٍ واحد.

‏لا تعرف الثبات، ولا تستقر على حال، فهي كالكائنات التي تتنفس الحياة بكل تناقضاتها، مرةً تورق، ومرةً تذبل، ومرةً تحترق، وأخرى تتجمد.

‏حين تُزهر النفس، يكون ربيعها دافئًا، خفيف الخطى، تملأها الطمأنينة، وتفيض منها الرحمة والعطاء.

‏في هذا الفصل، ترى الوجوه مشرقة، والأيام خضراء، والأحلام ممكنة.

‏كل شيء يبدو قابلًا للغفران، فالنفس الندية تُشبه الأرض حين يلمسها المطر الأول بعد طول الجفاف.

‏لكن سرعان ما يأتي خريفها…

‏فصل الانطفاء والخذلان، حين تهبّ رياح التغيّر وتتناثر أوراق الأمل على قارعة القلب.

‏تتأمل النفس نفسها في المرآة، فلا ترى إلا بقايا من ألوانٍ كانت يومًا تُغنيها عن الحزن.

‏تدرك حينها أن ما يسقط ليس دائمًا سيئًا، فحتى الأوراق لا تتساقط عبثًا، بل لتُفسح المجال لميلاد جديد.

‏ثم يأتي صيفها، حارقًا، متأججًا، يلهب الوجدان بنيران الغضب والشوق والعناد.

‏في هذا الفصل، تتعرى النفس من صبرها، وتثور على قيودها، وتغدو كالنار التي تحرق كل من اقترب منها.

‏لكنها لا تدرك أن احتراقها هذا ليس إلا محاولة يائسة للعثور على نقائها من تحت الرماد.

‏وأخيرًا يحل شتاؤها… باردًا صامتًا كالقبر.

‏تنسحب إلى الداخل، تنكمش في زواياها، وتغلق أبوابها على ضجيج العالم.

‏تغدو الكلمات ثقيلة، والمشاعر مجمدة، والعزلة ملاذًا لا عقوبة.

‏تتعلم في هذا الفصل كيف تُحب في الصمت، وكيف تبكي دون دموع، وكيف تكتشف أن الدفء الحقيقي لا يأتي من الخارج بل من وهج الإيمان العميق بداخلها.

‏وهكذا تمضي النفس بين فصولها، لا تستقر ولا تفنى، تتبدل لكنها لا تموت.

‏تتعلم من ربيعها معنى الولادة، ومن خريفها معنى الفقد، ومن صيفها معنى الصراع، ومن شتائها معنى السكون.

‏فكل فصلٍ منها يحمل حكمة خفية، ورسالة صامتة تقول:

‏> “لا تكره تقلبك، ففي التغير تنضج، وفي النضج تولد من جديد.”

‏فنحن لسنا سوى مرايا صغيرة تعكس وجه الطبيعة فينا،

‏نتبدل كما تتبدل الأرض، ونتجدد كما تتجدد الحياة بعد كل عاصفة.