مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الفصل التاسع: صمت الهارب.. وضجيج المطارد

🔹 الجزء الأول

في كل علاقةٍ إنسانية،

هناك طرفٌ يلوذ بالصمت كأنه يملك مفاتيح النجاة،

وطرفٌ آخر يملأ الأرض ضجيجًا،

كأنه يحارب الفراغ ذاته.

لكنّ ما لا يفهمه الاثنان أنّ الصمت ليس ضعفًا،

والضجيج ليس شجاعة.

فالأول يحتمي خلف جدارٍ من الغموض،

والثاني يختبئ وراء كلماتٍ تفضحه أكثر مما تُبرّره.

صمت الهارب ليس خلوًّا من المشاعر،

بل هو امتلاءٌ بها إلى حدّ العجز عن التعبير.

كمن يحمل في صدره عاصفة،

لكنّه يخشى أن تدمّر كل شيء إن تحدّث.

فيختار أن يصمت،

ليُخفي وجعه عن الآخر، أو ربما عن نفسه.

إنه لا يهرب من الصوت،

بل من الحقيقة التي ستخرج لو نطق بها.

أما المطارد،

فصوته المرتفع ليس لأنّ لديه ما يقول،

بل لأنه لا يحتمل الفراغ الذي تركه الصمت خلفه.

يضرب الهواء بكلماته،

يكتب، يرسل، يبرّر، يحاول ألف مرة،

وكأنّ الضجيج سيعيد الراحل أو يطمئن الغائب.

لكنّ الحقيقة المؤلمة أن الضجيج لا يُحدث فرقًا،

بل يُغرق صاحبه في صدى نفسه.

يا قارئي،

تأمّل قليلًا:

أيهما أقسى؟

من يرحل بصمته تاركًا السؤال معلقًا؟

أم من يظلّ يصرخ حتى يختنق،

دون أن يسمعه أحد؟

كلاهما ضحية الخوف ذاته،

لكنّ أحدهما يخاف من المواجهة،

والآخر يخاف من النهاية.

🕊️ الهارب يصمت لأن الكلام اعتراف،

والمطارد يصرخ لأن الصمت موت.