مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الفصل الثالث عشر: سلامٌ على من لم يعودوا يركضون

 

🔹 الجزء الأول

سلامٌ على أولئك الذين توقّفوا عن الركض،

لا لأنهم تعبوا، بل لأنهم فهموا.

فهموا أن بعض الطرق لا تُوصل، مهما أرهقت فيها قدميك،

وأن بعض القلوب لا تُفتح، مهما طرقت عليها بحسن النية.

سلامٌ على من كفّوا عن اللهاث خلف من لا يراهم،

وعن تفسير ما لا يُفسَّر،

وعن تبرير وجودهم في حياةٍ لم تُعِد لهم يومًا ما منحوه.

لقد أدرك هؤلاء أن الهدوء أعظم من الانتصار،

وأن الانسحاب لا يعني الهزيمة،

بل يعني أنك صرتَ ترى الأشياء كما هي،

دون وهمٍ، دون أمنياتٍ، دون أحلامٍ مؤجّلةٍ لا تشبه الواقع في شيء.

حين كنتَ تركض، كنتَ تظنّ أن الحبّ يُقاس بالجهد المبذول،

وبالرسائل الطويلة، وبالليل المسروق من النوم.

لكن الحقيقة أن الحبّ لا يحتاج مطاردة،

بل يحتاج وعيًا يميّز بين من يريدك، ومن يعتاد وجودك فحسب.

توقّف الذين لم يعودوا يركضون لأنهم أدركوا أن الكرامة لا تُقايض،

وأنّ من يهرب من دفء قلبك لا يستحق أن تعود إليه مرتين.

لقد أغلقوا الأبواب لا عن قسوةٍ، بل عن فهم،

وفهمهم هذا كان أعظم انتصارٍ لنضجهم.

إنهم أولئك الذين جلسوا على أرصفة الوعي وقالوا:

“كفى.. ما عاد فينا طاقة لسباقٍ بلا نهاية.”

فلم يعودوا يبحثون عن الخلاص في الآخرين،

بل وجدوه في أنفسهم.

لقد تصالحوا مع فكرة أن النهاية ليست خيبة،

بل بوابة عبورٍ إلى حياةٍ لا تحتاج فيها أن تشرح نفسك كل صباح.

هؤلاء لم يفقدوا الإحساس، بل استعادوا اتزانهم،

وصاروا يعرفون أنّ الهدوء ليس فراغًا، بل راحة مستحقّة بعد ضجيجٍ طويل.

سلامٌ على من اختاروا الوقوف بعد سقوطٍ متكرّر،

وعلى من تعلّموا أن الركض وراء من لا يلتفت… موتٌ ببطءٍ للروح.

 

#الهاربوالمطاردفلسفةالتعلقوالانسحاب

#هانى_الميهى