انهيار مُر
بقلم/ عبير البلوله محمد
في عتمة الليل، حين ينهار الكون في سكونٍ كثيف ككفنٍ أبدي، تستلقي تحت سقفٍ باردٍ لا يعرف الحنان، تحضن وحدتها كأنها آخر ما تبقّى لها في هذا العالم القاسي، لا صوت، لا دفء، لا يد تمتد لتقول: “أنا معك”… فقط صدى أنفاسها المتقطعة، وهمسةٌ وحيدة في صدرها تتردد كل ليلة: “أنقذوني… ولو مرة.” لكن لا أحد يسمع، لا أحد يهتم، ولا أحد يُحسن الإنصات لقلوبٍ تتكسّر في صمت.
عند شروق كل يوم، تُخيط شقوق روحها بخيوطٍ من التصنّع، ترتدي ضحكةً زائفة، تُجمّل وجهها بالكلمات اللطيفة، تُقدّم نفسها للعالم وكأنها لم تبكِ البارحة حتى اختنقت، تُتقن دور القوية، لكنها منهكة من التظاهر، من المجاملة، من حمل هذا الضعف الثقيل الذي لا يُقال، كل من حولها يرى الصورة، لكن لا أحد يسأل: “كيف حال قلبك؟”
أصدقاؤها؟ كانوا يومًا وطنًا صغيرًا، ثم صاروا سرابًا، انسحبوا عند أول غصّة، وتركوا فراغًا أوسع من الذاكرة، بعضهم… ترك كلماتٍ كانت كالسكاكين، أما الحياة، فلم تخنها فقط، بل خذلتها في أكثر لحظاتها احتياجًا، خذلتها في حلمٍ لم يكتمل، في وقتٍ لم يرحم، في أملٍ هشّ كعصفورٍ في عاصفة.
صارت تلجأ للنوم، لا بحثًا عن راحة، بل لأنه على الأقل لا يطرح أسئلة. في كل فجر، يعود الصوت ذاته: “لا أحد سيأتي… انسي.” تبكي، لكن بصمتٍ يفوق الصراخ، بصمتٍ لا تترجمه اللغة، لا تلتقطه العيون، تعبت من الشرح، من الفهم، من الحرب اليومية كي لا تبدو مهزومة.
وفي لحظةٍ ما، لحظة لا يعلمها أحد، تفهم أنها وحدها، وأن الطريق مظلم، لكن لا مفرّ من السير، خطوةً بعد خطوة، بلا وعد، بلا دليل… لعلّ في آخر النفق يولد ضوءٌ صغير، يهمس لها: “تأخرتِ… لكنني أتيت.”
ثم، عند حافة الاعتراف، حين تتجرّد من كل ما ادّعته، تهمس الكلمات من أعماقها كاعترافٍ أخير: “كل هذا… لم يكن قصة عابرة، لم تكن هي شخصيةً خيالية، لم تكن غريبةً عليّ… كانت أنا.”
المزيد من الأخبار
أنثي
صناعه الثقه
لست جزءًا منك