أحمد مناصرة، وليد الحرية وأسير الفصام

Img 20250411 Wa0002

 

كتبت: ملاك عاطف

 

 

اليوم، بعد قرابة عقدٍ من العذاب، يعانق الأسير المقدسي أحمد مناصرة حريته الحمراء.

بعد تحقيقٍ روتينيٍّ مضنٍ، في مراسيم تنتمي إلى المآتم، فتحت السجون أبوابها الصدئة لوليد الحرّية، لتقلّه سيّارةٌ مقفرةٌ من مظاهر الفرح والاحتفال إلى منزله الكائن في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلّة، حيث دفء العائلة الشّافي من البطش والإجرام.

وحسب مصادر إعلاميّة عدة، فإنّ إدارة السجون الإسرائيليّة قد دفعت مناصرة إلى توقيع تعهّدٍ يقتضي عدم الحديث مع الصحافة والأقارب بشأن تفاصيل قضيّته وما تعرض له خلف القضبان، ما أجبر وكالات الأنباء على التقاط صورٍ مغيّبةٍ عن الصوت، والاكتفاء بتوثيق لحظات الإفراج عنه من بعيد.

هذا التعتيم الإعلامي القسريّ المفروض، يواري جريمةً -أقلّ ما يقال في وصفها- إنّها نكراء بشعة، ويتستّر على الوحشيّة الصهيونيّة التي غرزت مخالبها في وجه براءة الطّفولة حتّى شوهته تمامًا!

ففي الثاني عشر من أكتوبر، عام 2015م، أطلق جنود الاحتلال الرّصاص على الطفل أحمد وابن عمه، فهوى الأولّ مصابًا بقدميه، وسقط الأخير شهيدًا راحلًا إلى علّيين.

وبينما كان مناصرة ينزف، أخذ جنود الاحتلال يضربونه ويمطرون عليه بوابلٍ من الشتائم الحقودة، ثمّ اعتقلوه بتهمةِ طعنٍ ملفّقة.

لم تفلح محاولات المؤسسات الحقوقية في مدّ طوق النجاة لأحمد، ولم ترحم غطرسةُ المحتلّ طفولته، بل داستها بالحكم عليه لمدة إثني عشر عامًا في سجون الاحتلال، أُنقصت فيما بعد لتصير تسعة ونصف، أمضى هذا الشبل ما يزيد عن خمسةٍ منها في العزل الانفراديّ.

وحسب فيديو مسرّب، فقد كان مناصرة قد تعرض لشتى أنواع العذاب، وذاق ويلات التحقيق، وواجه صراخ السجان المغتصب الذي أرداه كئيبًا يعاني من فصامٍ في الشّخصية، إلى جانب أمراض جسديّة ونفسيّةٍ أخرى.

“بعرفش، مش متذكر،” بضعة كلماتٍ بريئة، ألقاها الطفل ذو الثلاثة عشر ربيعًا على أسماع المحققين الصمّاء؛ فلم تشفع له، ولم تغنه من ظمأٍ إلى الأمان، استمرّ عقدًا مرّ كألف سنةٍ على أحمد، قاسى خلالها الحرمان، وواجه أشباح الوحدة، وبدأ يفقد إدراكه رويدًا رويدًا، حتّى قيل إنّه كان يخاطب الحشرات والديدان في زنزانته!

خاضت والدة أحمد العديد من الإضرابات، ورفعت أُمومتها مناشداتٍ لا تحصى في سبيل إنقاظ صغيرها، وصارت قضّية أحمد همّ الكل الفلسطينيّ عامّةً، وثورة الشارع المقدسيّ خاصّة، وأُدرج اسمه ليكون ضمن المحررين في صفقاتٍ سابقة، غير أنّ الرّفض الإسرائيليّ الملطّخ بالدناءة كان حاضرًا دائمًا.

وهاهو اليوم، بعد أن أتمّ حكمه، قد تحرّر شابًّا ذابلًا، طفولته موؤودة، وعلمه مسلوب، وصحّته مجرّدةٌ من كلّ شيءٍ إلّا التدهور؛ ليبدأ رحلةً علاجيّةً شاقّةً علّه يحيا من جديد!

عن المؤلف