سموم سوء الظن

Img 20250207 Wa0094

 

كتبت: هاجر حسن 

 

في بلدة “فريمان” الواقعة على ضفاف نهر النيل، حيث الطبيعة الساحرة والهواء النقي، كان منزل العم عز يطل على الوادي الملتف حوله كحبل من فضة. في تلك الليلة الشتوية الباردة، حيث ساد الصمت في الأرجاء، جمع العم عز أولاده الخمسة حول موقد الخشب ليقص عليهم حكمة جديدة، بعنوان: “سموم سوء الظن”.

 

قال العم عز وهو ينظر بحب في عيون أولاده: 

“منذ خُلق الكون، كان هناك شر مستتر يختبئ في أعماق القلوب، يظهر حين تسيطر عليه الظنون. كفيروس خبيث، لا يصيب إلا الأرواح المريضة، فتسكنها ظلاله، حتى تصبح فريسة لها.”

 

وتابع وهو يتوسط الدائرة الصغيرة التي شكلها أولاده حوله، وكأنهم يلتمسون الضوء من حكمه: 

“من يظن بالناس خيرًا، يرزق برزق لا يحصى، ومن يظن سوءًا، يضل قلبه في بحر الظلمات. 

في التاريخ، ظن أخوة يوسف بوجود شر في محبة أبيهم لهم، فألقوا يوسف في الجب، ولكن الله أنقذه ليصبح عزيز مصر. كذلك، عانى أيوب من سوء الظن في مرضه، فطردوه حتى ضاقت عليه الأرض، ولكن الله شفاه وأعاد له ما فقد. كما اتهم المشركون النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالشعر والجنون، لكن الله رفع قدره وجعل رسالته خالدة. حتى تقوم الساعة، لن يسلم أحد من سوء الظن. 

 

هنا قاطع الابن الأكبر حديث أبيه، وقال مستأذنًا: 

“وهل يمكن للإنسان أن ينجو من سوء ظن الآخرين؟”

 

ابتسم العم عز ابتسامة حانية، وأجاب: 

“إن أخفيت صدقتك، قالوا بخيلًا، وإن أظهرتها، قالوا متفاخرًا. إن صمت، اتهموك بالتكبر، وإن تكلمت، وصفوك بالمكر. سوء الظن لا يتوقف، نبضه مستمر في القلب حتى قيام الساعة.”

 

ثم أردف بجدية: 

” سوء الظن كأفعى سامة، تلسع القلب بلؤم سمها يفتك بالقلوب السوداء، وتريقها نقاء القلب، فهو سر النجاة والرزق. فلا تبتئس لظنونهم، ولا تضعف أمام ألسنتهم. 

يكفي أن الله يعلم ما في القلوب، فكن نقي القلب.”

 

وأخيرًا ختم حديثه قائلًا: 

“هم على ظنونهم يؤثمون، وأنت على طهارة قلبك ترزق، فلا تبالي.”

عن المؤلف