في مهب الانتظار

Img 20250205 Wa0060

 

 

كتبت: خولة الأسدي 

 

 

“لا تعتذرْ لي عن الغِيبةِ،

كلُّ المعاذيرِ كذابةٌ!

 

أتعلم؟

تحدَّثنا اليومَ عنك، وعن غيابِك الذي يبدو بلا نهاية، وككلِّ مرةٍ سُئلتُ فيها عن الأسباب، كانت مبرِّراتي تموت على أعتابِ المنطق، فتخرج من شفتيَّ باردةً كجثثٍ مجهولةٍ!

فماذا أقولُ حقًّا؟!

وأيُّ أعذارٍ بوسعِها سدُّ فجوةِ الانتظارِ التي رميتَني فيها؟! أنسجُ من خيوطِ أفكاري آلافَ الأسباب، محاولةً ترقيعَ ثقوبِ إجاباتي المهلهَلةِ على أسئلةِ الفضوليِّين، التي تنتهكُ حُرمةَ أحزاني، فتؤجِّجُ بشراراتِها نيرانَ الحزنِ التي تلتهمُني في صمتٍ، وتؤرِّقُ لياليَ انتظاري المُتْخَمةَ بالهواجس.

 

و: “غيابُك كلُّ هالعالمِ دَرَوا عنه،

كثُرَ ما هي من دموعي تواسيني! 🎶”

 

أتدري؟

في الحقيقة، أنا لم أرغبْ في تلك المواساة، ولم أسعَ لها، ولكنهم غمروني بها دومًا، كأنهم يستحرمون رؤيتي متناسيةً الأمر، وإن كنَّا جميعًا نعلم أني لم أنسَ، ولا أستطيعُ أن أفعل.

وهكذا، لم تكن تلك المواساةُ لدموعٍ اختارت الليلَ صديقًا وحيدًا تبوحُ له بمواجعِها، وإنما وسيلةَ تعذيبٍ ساديَّةٍ، جعلتني أشعرُ بأنني لا أُشبهُ البقيَّة، وعليَّ أن أعيشَ مُسربَلةً بأحزاني، أحملُ جرحي في كلِّ مناسبةٍ ومكانٍ، كوعاءِ شحاذٍ، لأتلقَّى به نظراتِ الآخرين المشفقة، وكلماتِهم مزدوجةَ المعاني، بابتسامةٍ يتراقصُ الألمُ على حوافِّها، ونظراتٍ كسيرةٍ لا ذنبَ لي فيها!

 

فما أقسَى أن تُصبِحَ المواساةُ سجنًا يُكبِّلُك، وذكرى متكررةً تُجدِّدُ جُرحَك كلَّما أوشكَ على الالتئام، فتُجبَرَ على استحضارِ الحزنِ، فقط لأنَّ الآخرين يريدون أن يتأكَّدوا أنك ما زلتَ تَذكر، وما زلتَ تتألَّم!

ويصبح الحزنُ أشدَّ قسوةً، حينما تُدركُ أنهم يراقبون انطفاءَك، كأنَّ غيابَك عن الحياةِ مرصودٌ ومحسوبٌ لديهم، وحزنُك شأنٌ عامٌّ لا يجوز لك كتمانه أو نسيانه!

بل ينبغي أن تظلَّ عالقًا في دائرةِ الشفقةِ والتساؤلاتِ اللانهائية، كمُجرمٍ وضحيةٍ في آن!

عن المؤلف