كتبت منال ربيعي
أنا نور، ملاك مضيء في جوهره، طاهر في أصله، يتوهج في العتمة، ينساب بين الشقوق، يلمس الأرواح فيجعلها أكثر نقاءً. لكن داخلي… داخلي فوضى، ظلام يزأر، شيطان قاتل يقطن أضلاعي، لا ينام، لا يهدأ، يراقبني من الأعماق كما يراقب الوحش فريسته، يزحف بين ضلوعي كأفعى جائعة، يتربص بي عند كل ضعف، ينهشني حين أغفل عن وجوده.
كنت أرفضه، كنت أقاومه. حاولت أن أقتله بنوري، لكنه كان أقوى من الموت، كان أذكى من أن يختفي، كان يدرك أنني أحتاجه أكثر مما كنت أعترف. كان يجلدني، يعذبني، يختبر قدرتي على البقاء. كنت أنزف منه، لكنني كنت أكبر معه أيضًا، كنت أكرهه، لكنني كنت أعرفه أكثر من أي شيء آخر في حياتي.
لم أعد أهرب. استدرتُ نحوه، نظرت في عينيه الغارقتين بالسواد، وقلت له: “تعال، فلنتحدث.” لم يصدقني في البداية، لكنه اقترب. جلسنا وجهًا لوجه، الملاك والشيطان، النور والظلام، وتحدثنا طويلًا، بمرارة، بصدق، بلا خوف.
“لماذا تؤذيني؟”
“لأنك تحاول إنكاري، لأنك لا تعترف بي، لأنك تظن أنك تستطيع العيش من دوني.”
“لكنني نور، كيف يمكنني أن أحتاجك؟”
“لأن نورك بلا حواف، بلا صلابة، هشٌّ، ضعيف أمام قسوة العالم. أنا من يجعلك تصمد، أنا من يمنع الآخرين من التهامك.”
صمتُّ طويلًا. كنت أعتقد أنني كنت أحمله، لكن الحقيقة أنه كان يحملني أيضًا، كان يسندني عندما كنت أسقط، كان يحميني حين كنتُ أعجز عن حماية نفسي.
ومنذ ذلك اليوم، لم نعد عدوين، لم نعد في صراع. أصبحنا رفيقين، حليفين، يوازن أحدنا الآخر. يأخذ مني نوري حين يحتاجه، وآخذ منه قسوته حين أحتاجها. لم أعد أخافه، ولم يعد يخافني. نحن واحد، روح واحدة، بها جنة وجحيم، بها نقاء وخطيئة، بها ضوء وظلال، وأنا لم أعد أبحث عن الانفصال… بل عن التوازن.
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية