كتب وليد اسماعيل علي
عزيزي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أعرني حواسك ودعني أقص عليك كي أخبرك بأنك تملك كنزًا يجب أن تحافظ عليه. سأبدأ إذن.
اسمي عبدالرحمن، من مدينة أم درمان، أو كما يحلو لنا أن نسميها العاصمة القومية للسودان. أعيش في منزلي، محاطًا بحنان والديّ في فرح وسرور، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كان فارقًا في حياتي.
في ذلك اليوم، كنت طفلًا صغيرًا في العاشرة من عمري، لا يهتم سوى باللعب والمرح، دون اكتراث لأي شيء آخر. كانت أمي تحب الزهور كثيرًا، وتمتلك مشتلًا في المنزل يحتوي على أنواع جميلة ونادرة من الزهور التي كانت تعتني بها بحب. كنت ألعب بالكرة كعادتي داخل المنزل، فحذرتني أمي مرارًا أن أبتعد عن المشتل كي لا أتسبب في تلف للزهور، لكني لم أكن أعير تحذيرها اهتمامًا، فسددت الكرة بقوة نحو المشتل، ما أدى لتحطيم بعض الأصص وإحداث دمار كبير فيه.
حين رأت أمي ما حدث، غضبت بشدة، وضربتني، وكانت تلك المرة الأولى التي أرى غضبها يبلغ هذا الحد. حزنت كثيرًا وظننت أن أمي لم تعد تحبني، فقررت أن أهرب من المنزل، معتقدًا أني لم أعد بحاجة إلى أم قد تضربني.
انتظرت حتى منتصف الليل، وتسللت بهدوء إلى خارج المنزل، وركضت بعيدًا حتى وصلت إلى مكان لا أعرفه، وكل ما كان يهمني هو الابتعاد عن أمي التي ظننت أنها لم تعد تحبني.
بعد أن استنفدت طاقتي من الركض، وجدت شجرة كبيرة، فنمت تحتها حتى بزوغ الصباح. كنت وحيدًا لأول مرة، وشعرت بحرية مؤقتة؛ لا أب يوجهني ولا أم تضربني. بدأت أتجول في الشوارع، وأرى الأطفال من حولي مع أمهاتهم، فأضحك في نفسي وأقول: “يا لهم من حمقى، ستغضب أمهاتهم منهم إن تسببوا في أي تلف”.
أما في منزلي، فقد كان الوضع أشبه بالمأتم. الجميع كان يبحث عني، وأمي كانت أشدهم حزنًا حتى مرضت من الحزن، وبدأت تلوم نفسها على ضربي.
وذات يوم، صادفني رجل في الطريق، ورأى حالي وملابسي المتسخة وأقدامي الحافية، فأخذني إلى دار الأيتام ظنًا منه أنني يتيم الوالدين، دون أن يعلم أنني بنفسي جعلت من نفسي يتيمًا. في دار الأيتام، التقيت بطفل كان يبكي، فسألته عن سبب بكائه، فقال لي إن أمه قد توفيت، وقبلها والده. شعرت حينها برجفة، وأدركت أن جميع الأطفال هنا فقدوا أمهاتهم أو آباءهم، وهم في أشد حالات الحزن.
بدأت أبكي، حتى جاءت مديرة الدار وسألتني عن قصتي، فحكيت لها ما حدث. فقالت لي: “يجب أن تحمد الله على أن والديك على قيد الحياة، انظر إلى هؤلاء الأطفال من حولك، كلهم فقدوا أمهاتهم، وأنت تملك أمًا وتهرب منها! ألم تسمع أن الجنة تحت أقدام الأمهات؟”
أجبتها بأن الجنة في السماء، وهي عالية، فقالت لي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجنة تحت أقدام الأمهات”، فقلت لها صدق رسول الله.
جلست أفكر فيما قالته، وأدركت أن أمي، مثلها مثل أي أم عظيمة، باب إلى الجنة. شعرت حينها بحجم خطأي، فأخبرت مديرة الدار عن عنوان منزلي. وعندما عدت إلى المنزل، ارتميت في حضن أمي وطلبت منها السماح. ومنذ ذلك الحين، لم أعصِ لها أمرًا.
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية