بقلم: سلسبيل حسين
أحيانًا، يكون الحب أقوى من الكلمات، فيشع في العيون بلغة لا تفهمها إلا الأرواح المتناغمة. هو ذلك الشعور الذي يتسرب في كل لحظة، كأمواج البحر التي تعانق الشاطئ، ولا تكتفي باللمس بل تتسلل إلى الأعماق. فالفراق، حين يأتي، يكون كخنجر في القلب، يفصل بين روحين جمعهما شوقٌ لا يوصف، فتظل العيون تلاحق بعضها، لا تستطيع أن تغلق أبواب الذاكرة ولا تهدأ نبضات الفؤاد. في تلك اللحظة، يصبح كل شيء بعيدًا، حتى الهواء، وكأن الزمن يصر على أن يقف في منتصف الطريق بينكما. وعندما يفترق الجسد، يظل القلب مسجونًا في سجن الذكريات، يصرخ في صمتٍ لا يسمعه أحد.
ولكن اللقاء… اللقاء هو لحظة انفجار النجوم في السماء، هو لحظة عودة الأمل بعد ضياعه في الظلام. لا حاجة للكلمات، ففي كل لمحة من العيون يكمن حديثٌ عميق. تلك العيون التي تتحدث بلغة لا تقوى على ترجمتها الألسن، تُرسل رسائل ملونة بالشوق والحنين، تفتح أبوابًا من الأسرار التي لا يعرفها أحد سواك. وعندما يلتقي النظر بنظرته، يغمر الوجدان شعورٌ متجدد، وكأنهما يعيدان رسم العوالم من جديد. عيون تلتقي كما تلتقي الأنهار التي ظننا أنها قد جفت، ولكنها تجد مجراها مرة أخرى، لتلتقي وتتحد.
وفي تلك اللحظة التي تبتسم فيها شفاهه، تكون الابتسامة أكبر من أي تفسير. هي ابتسامة تسكنها الحياء والشوق، تسير على وجهه كخجل الورد في ربيعٍ بعيد، بينما يتسلل هذا الفرح البسيط إلى قلبك، ويُذيب كل المسافات التي بينكما. تلك الابتسامة، التي تحمل فيها كل المعاني دون أن تنطق بكلمة، هي كل ما تحتاجه لتشعر بأنك في حضن الكون، وأن كل شيء كان مقدرًا ليكون كما هو. وكأن هذه الابتسامة وحدها هي التي تفتح أمامك أبواب السماء، فتشعر وكأنك تغني تحت ضوء القمر، وكل شيء في هذا الكون يرقص معك على لحنها.
العيون، التي تلمع فيها أسرار لا يمكن لأحد أن يقرأها سواك، هي أكثر من مجرد مرايا تلتقط الصور. هي صفحات من كتاب الحياة، تروي قصة لا يكتبها إلا من عاشها. وفي تلك اللحظات، عندما تتلاقى النظرات، يصبح العالم خاليًا من كل شيء إلا هذا التلاقي. تصبح المسافات أقرب مما يمكن أن يراه العقل، وتصبح الساعات كالثواني. ففي تلك اللحظات، تجد أن كل همسات القلب تُسمع، وأن كل كلمة لم تُقال تُفهم بين طرفي النظرة.
المزيد من الأخبار
الثقة
الحرية أن لا تنتظر شيئًا
لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ