بقلم: عبير البلوله محمد
في ظلال الماضي، كان هناك قلب ينبض بالحب وينهمر مثل الماء في جدول من العطاء المستمر، كانت الحياة تبدو وكأنها تكتمل بابتسامة ودودة ونظرة دافئة من ذلك الشخص الذي ملأ القلب بالأنس والتراحم، ولكن في يومٍ ما، ذهب حاملًا معه كل ما كان، تاركًا وراءه فراغًا عميقًا وصمتًا ثقيلًا.
مرت الأيام بطيئة، تحمل معها وجع الفقد ومرارة الاشتياق، مثل ريحٍ تقف على أطلال مدينة غادرتها أرواح أهلها، في أثناء تلك الوحدة، وجدت نفسي طريقًا جديدًا لم تكن تدرك بوجوده، اكتشفت أن الحب ليس مسألة بقاء الآخر بقدر ما هو الحفاظ على الذات وسط العواصف، بدأت تلملم شتات نفسها وتعيد بناء كيانها المتصدع، مستمدة قوتها من بريق الأمل الذي يتلألأ في الأفق.
وذات يوم، ظهر الشخص من جديد، متطلعًا لأن يعيد ما انسكب، جاء معتذرًا باحثًا عن فرصة أخرى لملء الوعاء الذي تركه فارغًا، ولكن القلب بتمام وعيه وثبات موقفه، لم يعد ذاك الوعاء الذي يتقبل العواصف مرة أخرى دون قيد أو شرط، بل أصبح نهرًا هادئًا يحمل في طياته تجربة غنية وعزيمة قوية.
“هل يمكن أن يعود الماء إلى وعائه مرة أخرى بعد أن انسكب على الأرض؟”، كان هذا السؤال بمثابة السد الذي يقف أمام كل محاولة للرجوع، فالقلب أدرك أن العودة إلى ذات النقطة لن تمحو الجراح ولن تعيد الزمن، بل ستقدم تسلسلًا جديدًا قد يحكم عليه بالعطش الأبدي.
لم يكن في هذا اللقاء سوى اعتراف غير منطوق بأن الحياة تمضي، وأن الأقدار لا تنسج دائمًا ما نتمنى، “السلام على قلبي الذي استقر وسكن، وعزة له على قلبك الذي رحل بعيدًا”، كانت هذه العبارة الأخيرة التي ودعت صدى الماضي وترحلت مع الأمل، تاركة خلفها أثرًا طيًبا لدرسٍ تعلمه القلب في تلك الفترة.
كانت تلك التجربة ماءً من نوع آخر، ماءً يروي الروح بالحكمة والصبر، وحرية لا تُقارن.
المزيد من الأخبار
سموم سوء الظن
أميرة الماضي الأسود
أذْكُر أنني نمت بعد انهيارٍ مُفزع فاستيقظت شخصًا لا أعرفه