بقلم/ أسماء رمضان رسلان.
فلسطين إنها ليست مجرد أرض تحت الاحتلال، بل ملحمة متجددة من الصمود، يُسطرها شعب يواجه الموت بصدور عارية وحجارة صغيرة، وكأنهم يقارعون الجبال. الأحداث الأخيرة ليست لحظة عابرة، بل فصل جديد من كتاب الظلم الذي يزداد سمكًا، وحكاية تُروى بدماء الأطفال ودموع الأمهات.
في فلسطين، يُسلب الحق، ويُهدم البيت فوق ساكنيه، ويُقتل الحلم قبل أن يولد. لكن رغم كل هذا، تبقى فلسطين عنوانًا للكرامة التي لا تُكسر، وقلبًا ينبض بالحياة مهما اشتد الحصار.
هذا الشعر الذي يُنطق بلسان طفل فلسطيني لم يُكتب له العيش سوى لحظات، هو صرخة في وجه العالم الصامت، وشهادة على حقيقة الصراع. لقد جاء هذا الطفل للعالم حاملًا تراب وطنه في فمه، وشاهدًا على أن الجريمة الوحيدة التي ارتكبها كانت أنه ولد فلسطينيًا.
فلسطين ليست مجرد مأساة؛ هي اختبار دائم لإنسانيتنا. أن نصغي لصوتها ونحمل قضيتها ليس خيارًا، بل واجبًا يفرضه التاريخ والضمير.
(وَلِيدٌ فِلَسْطِينِيّ)
جِنِينٌ في بَطنِ أُمِّي، مُفعَمًا بِالفَرَحِ
وُلِدْتُ وَبَكَيْتُ لِبُرْهَةٍ مِنَ الزَّمَنِ
حَمَلُونِي إلى أُمِّي لِتُعانِقَنِي
ضَمَّتْنِي لِصَدْرِهَا، مُرْضِعَةً إِيَّايَ
تَذَوَّقْتُ لَبَنًا مَمْزُوجًا بِالأَمَانِ
سَعِيدٌ أَنَّنِي الآن أَصْبَحْتُ إِنْسَانًا
فَبَدَأَتْ أَصَابِعُهَا تَتَخَلَّلُ شَعْرَ رَأْسِي
وَجَبْهَتِي وَحِجَابِي وَثَغْرِي وَأَنْفِي
أَمْسَكَتْ يَدَيَّ وَتَحَسَّسَتْ أَصَابِعِي
لِتَتَأَكَّدَ مِنْ كَمَالِهَا
وَتَلْمُسُهُمْ بِفَاهِهَا مِنْ قَدَمِي حَتَّى فَمِي
أَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ وَنَعَسْتُ بِكُلِّ افْتِخَارٍ
أَصْحَى عَلَى صَوْتٍ عَالٍ يُنَادِي بِانْفِجَارٍ
مِنْ شِدَّةِ الصَّوْتِ رَاحَ مَسْمَعِي
وَرَاحَ نِصْفُ جِسْمِ أُمِّي
سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ وَنِصْفُ سَاعِدِهَا مَعِي
وَالسَّاعِدُ الْآخَرُ لَمْ يَعُدْ يَتَمَلَّكُنِي
صَرَخْتُ وَاخْتَلَطَ الدَّمُ بِدُمُعِي
تَجَرَّعْتُ طَعْمَ التُّرَابِ فِي فَمِي
أَخَذَنِي شَخْصٌ مُلَطَّخٌ بِالدِّمَاءِ
وَجِسْمِي يَنْزِفُ دَمًا مِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ
يَبْحَثُونَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ
وَيَتَسَاءَلُونَ: هَلْ هُنَاكَ مَاءٌ
لِيُنَظِّفُونِي مِنَ الدِّمَاءِ
بَعْدَ بُرْهَةٍ مِنَ الزَّمَانِ
تَرَكُونِي وَأَصْبَحْتُ أَشْلَاءً
ظَلُّوا يَبْحَثُونَ عَنْ أَهْلِي وَأُمِّي
لَكِنَّ أُمِّي مَاتَتْ مِنْ قَبْلِي
ظَلُّوا يَبْحَثُونَ عَنْ أَشِقَّائِي
وَأَشِقَّائِي هُنَاكَ يَنظُرُونَ إِلَيَّ
وَلَا يَمُدُّونَ أَيْدِيَهُمْ لِضَمَّادَةِ جُرْحِي
حَتَّى بَعْدَ وَفَاتِي
لَمْ يُعْطُونِي غِطَاءً لِجِسْمِي
جِئْتُ إِلَى الدُّنْيَا بَضْعَ سَاعَاتٍ
لِأَكُونَ شَاهِدًا عَلَى مَا يَجْرِي
وَكَأَنِّي عِشْتُ لِسَنَوَاتٍ وَسَنَوَاتٍ.
رَأَيْتُ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى
أَمَامَ الْأَقْصَى يَدْعُونَ لِي بِكُلِّ اللُّغَاتِ
وَذَهَبْتُ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَلَائِكَةُ تَحْمِلُنِي
وَفِي فَمِي تُرَابُ أَرْضِ مُلْتَقَى الْأَدْيَانِ
وَارْتَوَيْتُ لَبَنًا وَحَنَانًا وَتُرَابَ وَطَنِي
لِأَحْكِيَ لِرَبِّي مَا فَعَلُوهُ بِي مِنْ أَهْوَالٍ
وَسَأَلَنِي رَبِّي: مَا ذَنْبُكَ؟
قُلْتُ لِرَبِّي وَالرَّجْفَةُ فِي صَوْتِي
وَالتُّرَابُ يَتَنَاثَرُ مِنْ فَمِي:
ذَنْبِي أَنِّي وُلِدْتُ فِلَسْطِينِيًّا
ذَنْبِي أَنِّي وُلِدْتُ فِلَسْطِينِيًّا.
ذَنْبِي أَنِّي وُلِدْتُ فِلَسْطِينِيًّا.
المزيد من الأخبار
غزة الحرة الأبية
حكاية الإختيار
ليلة انتصار