10 فبراير، 2025

أن أجدَني

Img 20250113 Wa0036

 

ملاك عاطف

على طور العامِ الجديد أقف بشرود، أجول ببصري بين وادي الماضي المتلاشي شيئًا فشيئًا في غَوْر النّسيان، وبين السّنة الجديدة الّتي تتباهى بتاج المجهول الّذي يعلو رأسها ويشدُّ أنظار فضولنا إلى اكتشاف دواخل لآلئه. تقبض يد الحيرة على سبّابة أفكاري وتشدّها بإصرارٍ وقوّةٍ إلى أسفل الوادي كما يشدّ الطّفلُ ثوبَ أمّه؛ لينالَ احتياجًا لم ينجح لسانه المتعثّرُ في تحصيله بالكلمات، تشدّها حدّ جزمي أنّها ستنخلع، وتُشير ببنان دمعها إلى أوثان نبوؤات المنجّمين حيث صلبوا حتميّة مجيء الكوارث، وإلى قبّة الحربِ حيث نقشوا زخارف الإجرام القبيحة بتخثّرات دم البرايا، وإلى محاريب قلوب أمّهات سوريا حيث يمدّ التّضرّع يده إلى ازدهار الدّولة؛ لينهض من جديد، وإلى اليَمنِ حيث تزفّ أعلامُنا على ظهور أحصنة المعيّة، وإلى لبنان حيث تضمّد بيروت جراح تضحياتها؛ كي تفتدينا من جديد. أنظرُ إلى كلّ أولئك بقلّة حيلتي؛ فهل لديّ ما أفعله؟ ثمّ يقع بصري فجأةً على صفحةٍ متكدّسة بنصوص أدبيّة متراصّة تلفّها خطاطيف الشّغف المنطفئ، وألمح اسمي بحروفه المنكمشة الذّابلة يتمدّد تحت عرائش العناوين. لقد خطّت كلّها بقلمي، وحبرُ مشاعري الّذي أثلج عمقَ روحهِ بياضُ حضن إيفرست شاهدٌ على ذلك، وشاهدٌ على أنّ شتاتي انهارَ طوعًا على أرض مصر؛ كي تجمعه أيادي طيبة شعبها، وتربّتَ على ضعفه دون أن ترجمه بأحكام الهشاشة القاسية، وتعلّمه فقهَ “اجمدي بقا”؛ فيصعدَ إليّ بها عقيدةً راسخةً متجاهلًا أجراسَ وحدتي، وضبابيّةَ مزاجي، والتواءَ كاحل محاولاتي، وانكسارَ أمنياتي وصمتَ أحلامي، يصعدُ بها راكضًا وحبال القوّة والدّعم تتدلّى على أكتافه متأرجحة ضفائرها في هواءِ إغرائي، ثمّ تراودُ حلاوةُ تماسكِ أهل مصرَ شغافي عن نفسهِ؛ فيتشبّث بها ويمضي مختفيًا معها بينَ أحراشِ ظلالِ أوهامي باحثًا عن نفسي، وأتبعه أنا، وأصرخُ بصوت إرادتي الجهوريّ الحادّ، أصرخ؛ حتّى أُسمعَ الأكوانَ كلَّها أنّي أقسمتُ على تحقيق أغلى وأهمّ هدف، هدفٍ تفوقُ قيمته ألفَ هدف، ألا وهوَ: أن أجدَني، أن أُعيدَني إليّ، بحيويّتي، ومرحي، وطموحي، ومثابرتي، وملائكيّتي، وحبّي للحياةِ، وخيرِ صحبتي، أن أُعيدَني بكلّي إليّ، بلا وجعٍ زائدٍ ولا خُلُقٍ صفيٍّ ناقص؛ لأنّي إذا عدت، سيبتلعُ طوفانُ أهدافي الجديدة كلّ ما بي من تيه وحرمان.

عن المؤلف