9 فبراير، 2025

الزائر من المستقبل

Img 20250110 Wa0029(1)

 

لِسُهيلة أحمد عامر

في ليلة شتوية قارسة، كان عمر يجلس وحده في مختبره الصغير. تراكمت حوله الأجهزة الغريبة والأوراق المبعثرة، وكلها تدور حول مشروعه الذي كرّس له حياته: “البوابة الزمنية”. كان حلمه بسيطًا لكن جريئًا، أن يغير مفهوم الزمن، وأن يجعل من الماضي والمستقبل أماكن يمكن للإنسان زيارتها.

 

كان الجميع يسخر منه، زملاؤه يطلقون عليه لقب “مجنون الزمن”، وأصدقاؤه ينصحونه بالتخلي عن هذا الحلم “العبثي”. لكنه لم يهتم. كانت رؤيته واضحة: “سأثبت للعالم أن المستحيل مجرد كلمة.”

 

وفي تلك الليلة، بعد شهور من السهر والتجارب الفاشلة، حدث ما لم يتوقعه. اهتزت الغرفة فجأة بضوء أزرق ساطع. لم يكن ذلك مجرد ضوء، بل كانت طاقة مدهشة تنبعث من قلب الجهاز. ظهر دوار لامع في الهواء، يدور بسرعة هائلة، وكأنه يمزق نسيج الزمن نفسه.

 

فجأة، خرج منها رجل! كان يرتدي بدلة فضائية تشبه ما يراه عمر في أفلام الخيال العلمي، لكنه كان حقيقيًا تمامًا. بيده جهاز صغير يشبه الكمبيوتر اللوحي، وعلى وجهه نظرة حازمة.

 

تراجع عمر خطوة إلى الوراء وهو يصرخ: “من أنت؟ وكيف جئت إلى هنا؟”

نظر الرجل إليه بثبات وأجاب: “أنا ياسر، من العام 2145. جئت لأنقذك.”

 

ارتبك عمر وقال: “تنقذني؟ من ماذا؟”

تنهد ياسر وقال: “اختراعك هذا… البوابة الزمنية، سيتحول إلى كارثة. في المستقبل، ستقوم شركات عملاقة بسرقته واستخدامه لتغيير أحداث الماضي والسيطرة على البشرية. سيصبح الزمن لعبة في أيدي الطغاة. جئت لأمنع ذلك.”

 

صُدم عمر بما سمعه. “لكن هذا مستحيل! اختراعي وُجد ليخدم الإنسانية، ليس لتدميرها.”

اقترب ياسر منه وقال بحزم: “أعلم نواياك، ولكن العالم ليس كما تظن. هناك دائمًا من سيستغل أي اختراع لصالحه. يجب أن نوقف هذا الآن.”

 

وقف عمر حائرًا، قلبه يرفض تدمير حلم حياته، لكن عقله يدرك خطر ما سمعه. وأخيرًا، قرر أن يثق في ياسر.

 

بدأ الاثنان معًا في تعطيل الجهاز. العملية لم تكن سهلة، فالطاقة التي أطلقها الجهاز بدأت تفقد السيطرة. اهتزت الغرفة بشكل مخيف، وبدأت الدوامة تضيق شيئًا فشيئًا.

 

قبل أن يعود ياسر عبر الدوامة، سلّم لعمر جهازًا صغيرًا وقال: “هذه رسالة مشفرة. ستجد فيها معرفة ستساعدك على اختراع شيء أعظم، ولكن أكثر أمانًا للبشرية. ثِق بي.”

 

اختفى ياسر، وأغلقت البوابة إلى الأبد.

 

مرت السنوات، واستمر عمر في اختراعاته. لكنه لم ينسَ الدرس الذي تعلمه في تلك الليلة العاصفة: أن العلم سلاح ذو حدين، وأن المسؤولية الأخلاقية يجب أن تأتي قبل أي نجاح علمي.

 

وبينما كان يجلس يومًا أمام مختبره، ينظر إلى الجهاز الذي تركه ياسر، تساءل: “هل المستقبل سيكون أفضل هذه المرة؟”

 

𝓦𝓡 𝓗𝓪𝓲𝓵𝓪

 

 

#إبداعات-سهيلة-الأدبية.

عن المؤلف