ملاك عاطف
في وحدتي، أعدّ أصابعي كطفلٍ يفعل ذلك لأوّل مرّة بفرحٍ غامر، وأقيس أطوالها بفضول، ثمّ ألصقها ببعضها بلا سببٍ أو لألف سبب، ويتلاشى الدّفء الّذي أرجوه منها في برد الفراغ تدريجيًّا، ثمّ أمرّرها برفقٍ يكسوه لطفٌ أنثويّ بين خصلات شعري، ثمّ أنتبهُ إلى شرودي المفاجئ حين ينقطع التّيار الكهربائيّ على حين غرّةٍ وأنا أحدّق في نور الغرفة بأنظار زائغةٍ تعلوها أمارات الغياب عن عالم الواقع. في وحدتي، أسأل نفسي أين أنا؟ أين مكاني بين هذا الوجع، والقهر والخذلان؟ وتتذرّع هي بحاجتها إلى السّكون، أو بارتفاع حرارتها، أو تختلق جحرًا من اللّا جواب وتركن صمتها في أقصى زاويةٍ فيه؛ لئلّا تجرحني، أو ربّما كي تريح نفسها من تتابع أسئلتي الغريبة الّتي يشوبها الملل من العمق أحيانًا، ومن البراءة السّاذجة أحايين. في وحدتي، أركب موج عطاء وحبٍّ غامر، وأترك ذاتي لتيّاره يسحبني أينما شاء، يجري بي بين هيجان بحار المشاعر، والفنّ، والأدب، والتّسارع في كل شيء، التّسارع المغموس بنا عنوةً، يروح ويجيء بي بين مدّ وجزر، في ليلٍ أو نهار، بين السّكون والحركة، في لجّة العمق الحالكة، وعلى أطراف الشّاطئ، يكون حنونًا ومجنونًا، هادئًا وثائرًا، رائقًا ومعكّرًا، يضمّ بين فقاعات قطراته كلّ التّناقضات، وكثيرًا ما يجرحني بها، ولا أبالي، لكن دائمًا أسأل تسليمي واستسلامي له، لماذا؟ ربّما لأنّي أنتظر قدرًا مغايرًا، أو سفرًا إلى مملكة السّلام النّفسيّ، وربّما لأنّي قد بدأت الدّوران في ملكوت الرّضا، أو أنّي لبست ثوبَ القناعة مجلببةً به روحي من رأسها وحتّى أخمص قدميها، بل ربّما لأنّي عزمت على المضيّ أنا أوّلًا، ثمّ الطّوفان من بعدي. في وحدتي، يقتلني الحنين، وتحييني الذّكريات الآسرة، ويرميني سهاد الخيال بإغفاءة، فيوقظني منها وقع أقدام أحلامي، هل ستأتي إليّ وتعانقني قريبًا؟ هل هي راضيةٌ عن صبري؟ أرجو ذلك. في وحدتي، يختفي الوجود من الوصال، وربّما العكس، لا فرق، وتخمد طاقتي، وأهدأُ أنا وثرثرتي حدّ انعقاد اللّسان على قوائم حركة الأفكار والمشاعر. في وحدتي، يزداد حبّي لي، وتعلّقي بخالقي، وبعدي عن فسحة الصّداقة المقدّسة. في وحدتي، لا أرغبُ بشيء غير الغوص في عمق العمق، والطّفوَ على سطح الطّفولة والعفويّة، في وحدتي، لا أريد إلّاي!
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات