للڪاتبة/همت أحمد حسن أحمد || ملاذ
في عمق تلك الغابة الكبيرة التي لا بداية لها ولا نهاية، تقف الأشجار كحراس صامتين لذكرياتٍ قديمة، وكأنها تروي قصصًا لا أحد يسمعها. كانت تلك الأشجار يومًا تمتلئ بالحياة والألوان، ولكنها الآن أصبحت هياكل فارغة، عارية من أوراقها، مهجورة من الضوء. الأرض التي تحت قدميك مليئة بأشلاء الأشجار المتساقطة، وكأنها تذكرنا بماضيها الذي انتهى، بمجدٍ ضاع في عمق الزمن، كلما دخلها أحد، شعر بأن الوجود يغلق من حوله، وكأن الغابة نفسها تبتلعك بهدوء، تمنعك من الحركة أو التفكير، هنا لا يسمع إلا صوت الرياح التي تعصف بين الجذوع المكسورة، ولا ترى إلا ظلالًا تتراقص في الظلام، تراقبك بعينين لا تملكهما، كل شيء هنا يشيع الخوف، ولا يعطى أملًا بالهروب، فالغابة لا تسمح لك بمغادرتها، ولكنها لا تُجبرك على البقاء. الغابة التي تبدأ عند أول خطوة، وتستمر في تضليل خطواتك حتى تضل الطريق. كل من يخطو داخلها يسير في متاهة ذاته، يتنقل بين الألم والذكريات الضائعة، بين ما كان وما يجب أن يكون. تلعب الغابة بعقول الداخلين إليها حتى ينسوا أنفسهم ويكتفوا بالصمت. الصمت هنا ليس هدوءًا، بل هو أكثر الأصوات رعبًا، لأنه يسرق منك قدرتك على التنفس.
الغابة نفسها مرآة للألم الذي لا يرحم، وللخيبات التي تتراكم في أعماقك حتى تكاد تخنقك. هي انعكاس لداخلنا، حيث تصبح الذاكرة هي العدو الأول، والظلال التي تطاردنا هي مرشدنا الوحيد. كل خطوة داخلها تكشف عن جزء منك كنت تحاول الهروب منه، ولكنها تأخذك إلى عمقك أكثر. وكأنك، مع كل لحظة، تفقد شيئًا من نفسك، ومع كل تنفس، تكتشف أن الطريق الوحيد للخروج هو أن تواجه هذا الصمت، أن تقاومه، أن تكتشف كيف يمكن للألم أن يكون طريقًا للحرية.
المزيد من الأخبار
كل مستحيل مع الله يتحقق
ستارٌ خلف ابتسامة
سعيٌ نحو الخفّة والسلام الداخلي