كتبت: زينب إبراهيم
الفتور في أية علاقة بالحياة يجعلها تتدهور في غمض عين وإن كانت متينة لابد أن تبنى على حب صادق واهتمام نابع من القلب حتى تكمل نهاية المسير وتصل إلى بر الأمان بسلامة إن حدث عكس ذلك ستصل اللامبالاة إلى مبتغاها وتجد سبيلها في هلاك العش الجميل الذي شيد بصلابة وحياة رغيدة.
في بادئ حياتهم كانوا يعيشون حياة رغيدة مليئة بالحب والتفاهم لا يخلو يومهم من المزاح والود، لكن في لحظة داهمت الوحدة حياتها أين زوجها، أين رفيق دربها، أين مؤنسها، أين معيشتها الغانية التي كانت تحياها قبل أن تداهمها غريمتها وتسلب عزيزها منها؟
ذات يوم استيقظت وقامت بإعداد فطور شهي بعد ذلك؛ حتى تتمكن من إقناعه بما تريده أعدت ما لذ وطاب مما يحبه، فنادت عليه: عزيزي صباح الخير هيا أفق.
فتح عينيه في ضجر: كم الساعة الآن؟
أجابته بإبتسامة: إنها السابعة، فانتفض من فراشه: لقد تأخرت عن العمل لا وقت لي لتناول الطعام.
تبرمت كالأطفال: لقد أحضرت لك الفطور لأسمع منك هذا الكلام لا لن أقبل تناوله أولاً.
ابتسم لها: حسنًا يا زوجتي الجميلة، لكن لا تعتادين على ذلك؛ لكن في تلك اللحظة انتهزت الفرصة محدثة إياه عن خروجهما سويًا: حبيبي هل لك أن تعود مبكرًا اليوم لنخرج معًا؟
علم أنها ستشرع ذات الموضوع كل يوم دون ضجر: حبيبتي تعلمين ظروف وظيفتي لا أستطيع فيما بعد نأخذ إجازة ونسافر إلى أي مكان.
قالت في حزن: هذه الكلمات أسمعها منك منذ فترة طويلة ولا يحدث شيء، فأنا أشعر بالملل والوحدة تتركني في المنزل بمفردي تأتي في المساء تأكل وتنام بعدها وفي الصباح لا يفرق شيئًا عن الديجور الذي أصبح يضج من حولي؛ لذلك يلزم علينا التحدث حين عودتك.
شعر مدى حزنها لم يشأ يزيد عليها أومأ لها دلالة على الموافقة وتركها راحلاً إلى عمله وهي كالعادة تجلس وحيدة بعدما تنهي ما ورائها من عمل البيت وإعداد العشاء.
ذهبت إلى غرفة الذكريات كما تطلق عليها، فكانت مليئة بذكرياتهم على هيئة صور تذكارية مع بعضهم البعض حينما كانوا على شاطئ البحر في الإسكندرية التي ولدت بها إلى أن تزوجت وانتقلت إلى القاهرة بجانب لقطات وهي تطعمه كيك البرتقال المفضل لديه أخرى وهي تأكل البيتزا ناظرة نحوه بسعادة غامرة لمعت فكرة في رأسها وذهبت لتنفيذها.
في الليل عاد زوجها وهو منهك كعادته تناول الطعام وهو يكاد يغفو مكانه من فرط النعاس، فقالت له زوجته: هل أحضر كوبين من الشاي مع مفاجأة خاصة لك؟
ابتسم لها قائلاً: حسنًا لا تتأخرين علي عزيزتي.
هرولت في مسرة تتمنى ألا يكون لسلطان النوم رأي آخر، فهو كان مرهق من عمله أحضرت قالب الجاتو بالبرتقال مع أكواب الشاي؛ لكن فوجئت بمن يستلقي على الأريكة غارق في نومه، فجلبت الغطاء مدثرة إياه به وعادت لغرفتها تنعي حظها الذي اوقعها مع شخص عاشق لعمله لا يفكر في محبوبته أو أي شيء آخر… في صباح اليوم التالي أستيقظ هو وعلى ذات الوضعية التي نام عليها رأى الفطور على الطاولة بجانبه القهوة ذهب لغرفته وجدها مستلقيه على الفراش هاربة من لقائه بعدما حدث في الأمس كانت تتظاهر بالنوم قبلها على رأسها بعد ذلك تناول فطوره محتسي القهوة ذاهبًا إلى عمله دون أن ييقظها؛ أما هي مسحت بعنف تلك الدمعة الهاطلة على وجنتيها، فعزمت على تنفيذ ما فكرت به طوال الليل ظلت ساهرة على أمل أن يقوم ويتبادلون أطراف الحديث.. اتصلت عليه بعدما أنهت ما ورائها قائلة: أود زيارة والدتي.
أجابها على عجل: لاحقًا أحدثك عزيزتي وأغلق الهاتف دون إنتظار ردها.
قالت لنفسها: ماذا كنتِ تنتظرين منه أ ينصت إليكِ ويترك غريمتكِ؟
أخذت حقيبتها التي وضعت فيها أغراضها عائدة إلى بيت والدها دون رجعة وأوقفت تاكسي قائلة له: هل تستطيع إيصالي إلى الإسكندرية؟
صاحب التاكسي: نعم، تفضلي سيدتي.
طوال الطريق كانت تفكر في قرارها ذلك هل سيعود عليها بالسلب أم سيكون إيجابيًا ما فعلته هدم منزلها وهي منزعجة غير راضية؟ لكنه ما تدفعها نحو النهاية بإهماله وتفضيل العمل عليها في كل مرة بعد ما يسمونه ” شهر العسل” انقضى كان أسبوعًا رائع دون عمل أو انشغال.
السائق بعد وصولهم إلى العنوان: تفضلي سيدتي لقد وصلنا مدام هل تسمعينني؟ ظل ينادي عليها إلى أن انتبهت له وقالت: شكرًا لك تفضل.
وطأت قدمها أرض الاسكندرية تنظر بحنين إليها سنتين مروا دون رؤيتها والآن عادت عازمة في قرارة نفسها ألا تتنازل عن حريتها بعد الآن.. طرقت باب منزلهم بشوق كبير شرعت والدتها في فتحه: ابنتي العزيزة. وبدأت بالتالي تنهال عليها باستخبارات لا حصر لها مثل: ماذا حدث يا ابنتي؟ هل تشاجرتم مرة أخرى؟ لماذا لم يصطحبك إلى هنا؟ أين هو؟ ألم يأتي معكِ؟
الفتاة ببسمة تضمر ورائها شجن دفين وألم لا يطاق: أمي أدخليني أولاً ونتحدث في كل أسئلتك تلك، فأنا لا زلت على باب البيت.
الأم: لا تؤاخذيني يا ابنتي، أخشى أن يكون هناك خطب ما ولا تقولين لي الحقيقة لقد اندفعت رغمًا عني هيا تعالي كيف حالك؟
الفتاة: الحمدلله دائمًا وأبدًا بخير ما دمتم بخير أين أخي؟
الأم: في عمله لم يعد بعد ها نحن جلسنا هاتي ما عندك.
ابتسمت الفتاة على طيبة والدتها، لكنها تعلم جيدًا أنها من الأمهات التي تثق بأن المرأة لا تملك سوى منزل زوجها ولا يحق لها الغضب أو الطلاق تحت أي بند كان؛ لذلك قررت الكذب مرة وهي لا تدري أنها صدق قالت: أمي إن زوجي لديه عملاً قد سافر لفترة وجيزة وأنا أخذت أذنه بالقدوم إلى هنا ريثما يعود سأرتاح قليلاً في غرفتي إلى أن يأتي شقيقي لقد اشتقت إليه كثيرًا.
الأم بأريحية: خذي راحتك وأنا سأعد معكرونة بالبشاميل مع صينية بطاطس باللحمة والأرز الأبيض مع الملوخية المفضلة إليكِ ريثما يعود أخيكِ.
الفتاة: سلمت يداكِ أمي.. وذهبت قبل غرفتها إلى غرفة والدها وابتسمت بجزع: أبي اشتقت لك لدرجة لا توصف ألا زلت تتذكرني أم أن اللحد قد أنساك صغيرتك؟
خطت خطوات ثقيلة نحو صورته المعلقة على الجدار وحدثتها: لقد تشاجرنا من جديد، لكن تلك المرة لا عودة بها أبي أنت تعلم ابنتك لا تحبذ الوحدة أو البقاء بعزلة؛ لذلك عدت إلى عائلتي مأوايا الذي حرمت منه لعامين كاملين دون رؤيتكم، فأنا على علم أنك تريد عودتي مثل أمي التي ترى أن زوجي هو ملاذي الوحيد؛ لكن الآن علمت أنكم الملاذ الآمن أبي أرجوك سامحني إن أخطأت بكذبي عليها هي لن تتركني أبقى هنا أكثر من يومين كإستراحة من ضغوط الحياة الزوجية كما تطلق عليها، فإن الحديث معك والدي يشعرني بالراحة والهدوء أستئذن منك حتى أعود إلى غرفتي وأرتاح قليلاً.. دعت إليه بالرحمة والمغفرة بجانب قراءتها للفاتحة وبعض من آيات القرآن الكريم.
شقيقها: أمي لقد عدت أين الطعام أتطور جوعًا؟
الأم: إنه جاهز نادي على أختك حتى تستيقظ وتأكل معنا.
ابنها: أختي! هل هي هنا؟
الأم: نعم زوجها في سفر عمل وهي ستظل هنا حتى يعود.
ابنها هرول إلى غرفتها في سعادة وبصوت جهوري: أختتتتتتتتتتتتتتتتتتتتي لقد اشتقت إليكِ كثيرًا يا صغيرتي المدللة.
الفتاة انتفضت إثر صراخه بها: أيها المجنون، هل هناك أحد ييقظ البشر بتلك الطريقة؟
عانقته في شوق وحنين قائلة: وأنت أيضًا يا فؤاد أختك كيف حالك وعملك؟ أخبرني عن حياتك وكل شيء.
أخيها: انتظري بعد الطعام نعد كوبين شاي بالنعناع ونظل نتحدث للصباح خاصة أنه يوم إجازتي كنت أنوي جعلها مفاجأة لكِ وأقوم زيارتك.
الفتاة: وهو كذلك أيها المجنون.. وتناولا العشاء بين مزاح ونكات الشقيقين كم كانت تتوق إلى تلك اللحظات في ذلك الوقت كانت تتناول العشاء بمفردها ريثما يعود منتصف الليل منهك ويأكل بعض لقيمات وبعدها يغض في نوم عميق متغافلاً عن تلك المرأة التي يحق لها الاستماع إلى كلمة غانية على الأقل أو الاستخبار عن حالاتها، لكن هيهات هيهات إنها أحلام كانت في بداية زواجها يحدث ذلك.
أخيها: لماذا لا تأكلين صغيرتي المدللة؟
الأم: لا زال يذكرك بذلك الاسم منذ إن كنتِ صغيرة وتزوجتِ.
الفتاة: حفظك الله لي أخي الغالي، فأنت بمثابة أبي رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته ويلهمنا الصبر والسلوان.
أمن الجميع على دعائها وذهبت هي إلى الشاطئ في انتظار مهاتفة منه أو رسالة تروي ظمأها، فهي لا تعتاد على تركه أو عدم رؤيته ليوم واحد كأنها تحتضر إن حدث ذلك.
عاد في المساء إلى المنزل وهو كعادته منهك من كثرة العمل: حبيبي لقد عدت أين الطعام؟
لم ير ردًا منها أو الطعام موجود على الطاولة تعجب من ذلك، فذهب إلى غرفته لم يرها وليست موجودة في المطبخ أو البيت بأكمله حدث نفسه: إلى أين توجهت دون إخباري؟
وجد ورقة مطوية على الطاولة فتحها وجدها رسالة من محبوبته الغائبة: عزيزي أعلم أنك لم تنتبه لقولي أني ذاهبة إلى منزل والدي الذي لن أكون فيه منزوة أو أحدث الأربع حوائط التي في المنزل منتظرة مؤنسي ريثما يعود يأكل بعد ذلك يغض في نومه ناسيًا أن له زوجة تنتظره بشوق جم تريد الحديث معه والاطمئنان عليه لا أن يأتي كالضيف لا تراها سوى مرتين في الصباح وهو يتناول فطوره وفي المساء يأكل عشاءه هكذا أصبحت حياتنا فاترة بدون روح أو حتى تستحق أن يطلق عليها حياة لا أريد منك شيئًا أو انتظر اتصالا هاتفيًا؛ لأنني أعلم أنك لن تكترث لي أو على الأقل قراءة رسالتي، لكن استنظر ورقة طلاقي وإلا سأرفع القضية التي تمقت النساء رفعها نحو أزواجهن.
كانت رسالة خالية من المشاعر مليئة بلعنة اللامبالاة، ولكنه كالعادة لم يهتم؛ فهو يشعر بالنعاس الشديد ولا يبصر أمامه، لكن لأول مرة يشعر بمدى خلاء المنزل الدافئ الذي كانت تملأه بحنانها ومرحها، أين أنتِ حبيبتي؟
كانت تنظر نحو هاتفها بلهفة تنتظر أن يتصل بها وترجو ألا يخيب ظنها ككل تارة، فكانت تشرد في ضوء القمر الذي يضيء عتمة الليل من حولها وتتذكر مجيئه لطلب يدها من والدها.
قبل عامين..
تقدم هو إلى منزلها في شموخ ورجاء من الله أن يقبل والدها تزويجها له: السلام عليكم.
والدها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بني تفضل.
الشاب: زاد فضلك يا عماه سلمت.
والدها: كيف حالك؟
الشاب: الحمدلله دائمًا وأبدًا بخير، يسعدني ويشرفني أن أطلب منك يد كريمتك الآنسة حبيبة.
والدها: هذا شرف لنا نحن يا بني، لكن أين والدك أو أحد من عائلتك أراك بمفردك قدمت إلي؟
الشاب بحزن: لقد توفيت عائلتي في حادث سير منذ أن كنت صغير وعمي من تولى تربيتي، لكنه توفى منذ عامين وأنا وحيد في هذا العالم وأريد أن تكون حبيبة هي رفيقة دربي وعائلتي.
والدها: رحمهم الله يا بني ودعى لهم بالمغفرة وقراءة سورة الفاتحة لهم.
الشاب: أنا لدي شقة في القاهرة أقطن بها بالقرب من عملي وبإذن الله سنعيش بها.
والدها: تأكد أننا هنا عائلتك وأتمنى أن تعتبرني من اليوم والدك حتى وإن لم يكتب الله لك نصيب مع ابنتي.
وجدت أخيها يقف بحزن في غرفتها بعدما أمره والده أن ينادي عليها استخبرت عن سبب حزنه البادي على وجهه: لا أريد أحد أن يحرمني منكِ صغيرتي المدللة.
أجابته ببسمة: أتعلم أنك لست أخي فحسب كل شيء بالنسبة لي وعضدي الذي أتكئ عليه في هذه الحياة تأكد أنه لا يوجد أحد أو شيء يمكنه أن يحرمني منك أيها المجنون، فهذا العريس أيًا كان هو لن أقبل به قبل أن تبدي موافقتك ورغبتك به.
ضحك وقال: أنتِ العروس وليس أنا أيتها المجنونة، فدعكِ من هذا الهراء أبدي رغبتي قالت وضحكا معًا بعد ذلك ذهبت وهي تحمل المشروبات ومعها شقيقها حينما وقعت عينيها عليه دون أن يلاحظ أحدهم شعرت بانجذاب وراحة لا تعلم مصدرها مع ذلك قررت أن تصلي صلاة استخارة قبل أن توافق أو ترفض.
والدها: ابنتي العزيزة، ذلك الشاب تقدم لخطبتك يدعو ” سليم” وهو يعمل بشركة المقاولات العامة والاستشارات الهندسية بالقاهرة سأدعكم بعض الوقت تتحدثون ونحن على مقربة منكم.
الشاب: ما أسمكِ؟
الفتاة: تأتي لخطبتي دون معرفة اسمي!؟
الشاب: اسمي سليم من عائلة ميسورة الحال وأعمل مهندس معماري في الشركة التي أخبرك عنها والدك أقطن بشقة بجوار العمل ستكون منزلنا بإذن اللّٰه بعدما تتم الموافقة علي.
الفتاة: أين عائلتك لا أرى أحدًا منهم؟ هل هم لا يقبلون بتلك الزيجة أم ماذا؟
سليم: تبدين ذكية بجانب كونك جميلة يا حبيبة.
حبيبة: ها أنت تعرف أسمي لم سألت عنه؟
سليم: حتى اسمع صوتك العذب يا صغيرتي.
حبيبة بغضب مكتوم: لا تناديني بصغيرتك أفهمت أيها الأحمق.
سليم: لم أعي ذلك فقط خرجت رغمًا عني أعتذر منك.
حبيبة: وأنا لم أقصد كلمة أحمق أرجو المعذرة.
سليم: حسنًا ماذا تريدين أن تعرفين أكثر عني؟
حبيبة: أنا لم أعرف بعد عنك شيء.
سليم: وماذا عن الذي قلته؟
حبيبة: عرفتني عن اسمك وعملك وحالاتك المادية فحسب أما عن عائلتك مكانهم لا وعلاقتك مع ربك وأشياء أخرى لن تتفوه بها.
سليم: يعجبني تفكيرك حبيبة لكن كل ذلك سأحدثك عنه أثناء الخطوبة وبالنسبة لعائلتي لا يوجد توفوا جميعًا في حادث سير منذ عامين توفي عمي الذي تولى تربيتي بعد عائلتي إن كتب الله لنا النصيب ستكونين أهلي ورفيقة دربي التي أكمل معها بقية حياتي.
حبيبة: رحمهم الله وغفر لهم ذنوبهم يارب.
أمن على دعائها وذهبت هي جالسة بجانب والدها الذي بادر بسؤالها: ما رأيكِ يا ابنتي؟
حبيبة: لا رأي بعد قولك يا أبي، لكن التمس الإذن منك في أداء صلاة استخارة قبل أن تقول رأيك.
والدها ابتسم لها قائلاً: حسنًا يا ابنتي العزيزة بعد أسبوع يصلك الرد يا بني أترك رقم هاتفك مع حسام ابني.
سليم: بالطبع عماه وأنا سأكون في انتظار ردكم على أحر من الجمر.
حبيبة: ما رأيك به حسام؟
حسام بمشاكسة: يا لكِ من مجنونة صغيرتي المدللة هذه المرة الألف تسأليني عنه وأجيب لست من سيتزوجه حتى أبدي رأيي ورغبتي.
حبيبة بحزن طفولي: هكذا حسن لن أتحدث معك مرة أخرى أخرج من غرفتي.
حسام: دعكِ من أمور الأطفال تلك وقولي لي أنتِ ما الشعور الذي راودك حينما جلستِ معه؟
حبيبة بتفكير: ممم لا أعلم فقط شعرت ببعض الراحة حياله لكن كما قلت لأبي بعد الصلاة سيتضح كل شيء.
حسام: تستطيعين التحول من طفلة صغيرة إلى فتاة ناضجة بثوان معدودة يا له من محظوظ.
حبيبة بضحك: أخرج إلى الخارج أود النوم هيا أيها المجنون.
بعد فترة أجابت حبيبة والدها بقبول الزواج من سليم وتمت الخطبة وبعد ذلك الزواج كل ذلك مر سريعًا رأت نفسها من الإسكندرية إلى القاهرة تسكن مع من شعرت معه بالراحة والأمان بجانب الاعجاب بشخصيته الذي أظهرها لها كل ذلك كانت تحلم به، أفاقت بعد سنة على بلاء كبير خبر وفاة والدها الذي جعلها تفقد الوعي وتلج في غيبوبة مؤقتة عقلها لم يقبل الخبر ورفض أن يحيا في حياة بدون والدها الحنون الذي تستند عليه في شتى أواقتها؛ لكن هو لم يتركها بمفردها كان دائمًا معها إلى أن اعتادت وعيها، فقدم لها المواساة والاحتواء التي كانت تحتاجهم في وقت كهذا الأوان العصيب رغم ذلك طلبت منه أن تظل في بلادهم لفترة بعد العزاء وافق على ذلك مع صعوبة الوصول إليها والذهاب إلى عمله فكان يبعد عن الاسكندرية.
أفاقت على صوت رسالة كأنها انتشلتها من بحر ذكرياتها العميق هرعت في فتح الهاتف بلهفة كبيرة، لكن صعقت بما مكتوب فيها ” لدي عملاً هام سأسافر لشهر أود أن أعود وأراكِ في المنزل”.
حدثت نفسها قائلة بلا مبالاة: هل هذا هو رده يا قلبي؟
لقد توقعت أن يخذلني للتارة الثانية ويأمرني فوق ذلك، فلم تشعر بذاتها وهي تطلق العنان لدموعها بمعرفة سبيلها نحو وجنتيها بوابلة من فرط ألمها منه لا تعلم سبب تركها هكذا لم يكلف نفسه أن يسأل عنها البتة.
جاء شقيقها شعرت به قامت بمسح دموعها بعجلة قبل أن يراها: صغيرتي المدللة ماذا تفعل هنا في مقرها السري؟
حبيبة: حسام كيف علمت بمكاني؟
حسام: عجبًا عليكم أيها المصريون تجاوبون على السؤال بغيره.
قال كلماتها بتمثيل مما أثار قهقهتها هو الذي يستطيع إخراجها من حالات الشجن التي تصيبها وتجعل حالتها مزرية، فقالت بعد أن وكزته في كتفه: ألا يمكنني الاستراحة منك أيها المجنون؟
قال حسام بعد تفكير: ربما لا وفي أوقات أخرى ذات الإجابة رفض تمامًا هيا أدلي بما في جعبتك على الفور.
حبيبة: لن تخبر والدتك أليس كذلك؟
حسام: أعدك لكل أمر ثمنه لا تقلقين.
حبيبة: نويت الانفصال عن سليم ولا تسألني عن الأسباب ارجوك.
حسام وقد شعر بوخزة في قلبه بأن لا حاجة له في حياتها باتخاذها هذا القرار الحاسم دون العودة إليهم أو على الأقل تخبره قال بحزن: أنا من سأتولى هذا الأمر حتى وإن لم تريدي هم بالنهوض لكنها أمسكته من يديه كأنها تستنجد به قائلة: لا تتركني لم أعي قولي أنني بمفردي وأنت لست موجود فقط أعرض عليك الأمر حتى تساعدني تعلم أمك وتفكيرها بشأن ذلك.
احتضن شقيقته في حنو قائلاً: لن أفعل هذا البتة أيتها المجنونة دعينا ندخل إلى البيت أحضرت سهرة لن تنسى مثل طفولتنا من أنواع الحلويات التي تفضلينها والفشار بجانب الكولا واللب.
ابتسمت وهي تحتوي وجهه براحة يديها: ما دمت أنت معي، فأنا بأمان ولا يستطيع أحد في ذلك العالم أن يؤذيني أو يواجهني أدامك الله يا أخي الغالي.
حسام: الليلة هي للمرح والضحك فحسب غدًا ستروي لي كل شيء عنا حدث معكِ والذي دفعك لاتخاذ قرار الانفصال أرجو ألا يكون الذي في بالي حدث.
حبيبة: دعك من هذا التفكير للمفكر كرومبو الشهير هيا لندرك السهرة لقد اشتقت إليها.
ظلوا طوال الليل يشاهدون الأفلام البوليسية والرعب الاكثر محبة إليهم حتى حان موعد صلاة الفجر قام حسام بالذهاب إلى المسجد لقضاء فريضة الصلاة وهي أيقظت والدتها وأدوها سويًا وظلت تذكر الله إلى مطلع الشمس وأدت صلاة الضحى جالسة بعد ذلك في انتظار رفيقها المجنون لتكملة اليوم.
حسام: تقبل الله يا صغيرتي المدللة.
حبيبة: منا ومنكم صالح الأعمال أخي.
حسام: هيا لتستريحي قليلاً وغدًا نكمل ما بدأناه من سهرة.
قالت بتذمر أطفال: لا لن يحدث هذا على جثتي هيا لنلعب دور بلايستيشن والظافر يطلب من الخاسر طلب ليفعله.
حسام: أعلم أن تلك الليلة لن تنقضي على خير تريدين مبارة كاراتية أم كرة القدم؟
حبيبة بتفكير: قتال وبعدها دور سباق السيارات.
حسام: ومتى سننام أيتها المجنونة أم أنك تستغلين يوم الإجازة خاصتي؟
حبيبة بمشاكسة: بالطبع هيا بنا لنلعب.
وبعد انتهائهم بالتعادل قررت حبيبة لعب دور شطرنج وهي ماهرة للغاية به.
حسام بمكر: هل صفيك كان منشغل طوال الوقت؟ ما ذلك الجم من الألعاب يا ابنتي؟
حبيبة وقد داهمها الحنين إلى بداية زواجها حيث كان جميل للغاية يلعبون سويًا جميع الألعاب وكرة السلة بالمنزل بجانب الشطرنج الذي كانت تقهره فيه وتطلب منه أن يجلب جميع انواع الشوكولا الموجودة بالسوبر ماركت حتى وإن كانوا في وقت متأخر من الليل.
حسام بحزن: أعتذر منك صغيرتي المدللة لم اقصد.
حبيبة: لا عليك أيها المجنون دعنا نكمل اللعب قبل أن أهبط.
حسام وقد شعر أنها ستنام قريبًا حمد الله في ذاته وبدأوا اللعب لكن هذه المرة كان الفوز من نصيب أخيها جلس يفكر بماذا يطلب منها؟ وهي تشعر بالقلق عما يفكر والعقاب.
حسام بمكر: كم أشتهي البيتزا الايطالية مع الصلصة المكسيكية بجانب عصير الرمان الطازج مع البطاطس المقلية المقرمشة.
حبيبة بضحك: أنت لست بمطعم الشيف براك يا هذا أنا أرهقت لابد أن أنام تصبح على خير أيها المجنون.
كادت أن تذهب لكنه أمسك يديها بتمثيل دور الجوعان الذي لم يأكل منذ فترة طويلة: هل يأتي لكِ قلب تتركين معدتي تستغيث من الجوع والعطش بعد ذلك تذهبين للنوم، هل سيأتي لجفنك النوم بهناء وشقيقك يتطور جوعًا؟
قهقهت حبيبة من فرط سعادتها العارمة قائلة: حسنًا أيها المسكين لا تهون علي وأحضرت له ما طلبه من طعام بجانب كيك البرتقال وأكلوا سويًا.
حسام: يا له من طعام شهي ولذيذ أيتها الشيف حبيبة.
حبيبة بفخر: لتعلم أن شقيقتك لا يستهان بها أعددت الغداء ريثما تستيقظ أمك فأنا سأذهب في نوم عميق وسبات لباقي اليوم لا داعي لأنهض وأحضر لكم الغداء.
حسام: وهو كذلك أيتها المجنونة دعيني أعزمك على الأيس كريم بعد ذلك الطعام الغاني.
حبيبة بفرحة كالأطفال: يا للروعة هذا هو وقفزت ذاهبة إلى غرفتها وأبدلت ملابسها في خمسة دقائق من الحماس.
حسام بصدمة: متى انتهيتِ أيتها الفتاة؟
حبيبة: هكذا أنا سريعة بكل شيء.
حسام: رب يرحم أيام قبل زواجك التي كنت أنتظر بالساعات حتى تكملي تلك المهمة نحن ننهي ذلك بعشرة دقائق.
حبيبة بمشاكسة: قد أخذني الحماس يا سام هيا بنا.
عادوا وهم يكادون يغشوا عليهم من فرط الإرهاق والسهر.
الأم: صباح الخير يا أولاد.
حسام: بل تصبحون على خير يا أولاد.
الأم: لا تقولون أنكم فعلتوها من جديد.
حبيبة: بالطبع أماه لا تقلقي، فأنا أعددت الطعام لنهاية اليوم والحلو أيضًا بجانب عصير الرمان اجلسي مرتاحة اليوم أيتها الجميلة إلى اللقاء في المساء.
قبل ذهابها إلى فراش استعداد للنوم أمسكت هاتفها لعله يكون قد أرسل رسالة أو تذكرها على الأقل بعد الأمر الذي أملى عليها، لكن ككل تارة تصدم بالخذلان وخيبة الأمل بالنهاية قررت تعلم اللا مبالاة مهما كان صعبًا ومحفوفًا بالألم.
الأم: ماذا؟ هل هاتفك؟ لم يرسل رسالة أليس كذلك؟ هل كنتِ تكذبين علي أم أنكم تشاجرتم من جديد؟
حبيبة بضجر: أمي لقد أرسل رسالة لأنه مشغول في سفره كما أخبرتك دعيني أنام لطفًا منكِ هيا أغلقي الباب خلفك أرجوك.
الأم: أراح الله قلبك يا ابنتي آمنت على دعائها مبتسمة لها وغاصت في النوم غير عابئة بذلك الحبيب الذي نسى ذكرى عيد ميلادها وزواجهم في ذات الوقت، فكان يعلم شقيقها بذلك وقرر تلك السهرة تكون بمثابة حفلة خاصة لكليهما بحيث لا يشعرها أن زوجها غفل عن تلك الذكرى الهامة إليهم.
عودة إلى المنهك من أثر العمل يعود إلى منزله مبكرًا ليجمع أغراضه للسفر بعدما انتهى تناول الطعام وأخذ جولة في المنزل الذي يأتي إليه كضيف ليس إلا لاحظ انغلاق غرفة لا تنفتح أبدًا قرر أن يشرعها ويعلم محوها، فصدم من كونها غرفة مليئة بالصور التذكارية وهدايا التي جلبها لها منذ خطوبتهما لم تنس الطاولة المخصصة بلون الأزرق وعليها علبة كأنها هدية كتل عليها ” عيد زواج سعيد حبيبي” فتح العلبة وحد بها ساعته المفضلة بجانب العطر المميز الذي يفضله وصورة رسمت خصيصًا له.
ابتسم بحب وحنين لها قائلاً: أحبك صغيرتي الجميلة لم تنس مثل تلك الذكري الثانية لزواجنا مع أنني غفلت عنها كم أنا أحمق اعذريني حبيبة قلبي.
بصر بعينيه الصور الموضوعة على جدران الحائط تجمعهما معًا؛ إلا صورة واحدة تمحو ما مضى من لقطات، فكانت تجلس وحيدة على الأرض بادي على وجهها الشجن وتبدو وحيدة علم حينها كم هو مقصر بحقها كانت مرارًا وتكرارًا تطلب منه التواجد معها لو لدقائق معدودة دون أن يخلد للنوم فقط يتحدثون أو يتشاجرون يشعرها أنه موجود معها وفي حياتها بغبائه أضاع منه زوجته وحبيبته هل ستعود من حديد أم ستكون للعنة اللامبالاة رأي أخر؟
حبيبة قامت على صوت ضجة بالخارج كانت الساعة العاشرة والنصف مساءًا، فقالت لنفسها: ماذا يحدث بالخارج؟
حسام: لا لن تراها أيها الأحمق وأخرج الآن من منزلنا يكفي ما حدث لها بسببك وأحمد الله أن أمي ليست هنا، فأنت تعلم أنها بصفك لن يحدث ما تريده هي ليست تحت أمرتك في أي وقت تنفذ ما تقوله أغرب عن وجهي.
حبيبة: ماذا يجري هنا حسام؟
حسام: ذلك الأخرق يود رؤيتك وأنا لا أريد ذلك لن يحدث أي ألم لكِ مجددًا وأنا على قيد الحياة يا حبيبتي.
حبيبة: سمعت لقد قال لك لا يريد أن تقابلني أرحل ومن فضلك تنفذ ما قلته لك في الرسالة إن كنت قرأتها من الأساس.
سليم: أنتِ لا زلتِ زوجتي هيا عودي معي.
حبيبة: لا لست زوجتك إن لم تطلقني الآن سيتم تنفيذ القضية دون الحاجة ليمينك.
سليم بحزن: متى أصبحتِ قاسية هكذا صغيرتي الجميلة؟
حسام: لا تدعوها هكذا هي لم تعد شيئًا بالنسبة لك.
حبيبة: هل تأذن لي يا أخي أن أجلس معه لخمس دقائق فقط؟
حسام رأى أنها تريد أن تودعه بتلك الدقائق الأخيرة فوافق لها وقال: حسنًا وأنا بجانبك هنا إن احتجت إلى أي شيء.
حبيبة بحب: أدامك الله لي يا أخي الغالي وأماني.
تلك الكلمة أوجعت سليم للغاية يفقد رفيقة دربه وعائلته الآن عليه التصرف قبل فوات الأوان.
حبيبة: لماذا جئت إلى هنا ألا يوجد لديك سفر؟
سليم: اشتقت إليكِ المنزل بدونك كأنه كهف مظلم عزيزتي الغالية أعلم أنني مقصر بحقك اعتذر منكِ وأطلب فرصة أخرى عودي معي إلى عشنا السعيد لا تهجريه.
حبيبة كانت سعيدة بسماع تلك الكلمات الرقيقة كأنها تحفظها في عقلها حتى لا تنساها البتة نظرت إليه بوجه يخلو من أية تعابير: طلقني سليم.
سليم: أرجوكِ بغلاوة سليم لديكِ أو بقدر حبي الذي كان لا تفعلي.
حبيبة: لآخر مرة طلقني سليم..
المزيد من الأخبار
شهر رجب؛ قطار الفرص الإيمانية
خربشات لن أفهمها
التهور