هاهي غزة

Img 20241203 Wa0124(2)

 

كتبت ملاك عاطف

هاهِيَ غّزة، مرمِّيةٌ أمامَ بَحْرِها مِن شِّدةِ الإعياء، بجسدٍ مفتوقٍ مُمّزقٍ إرباً وأشلاء، بعيونٍ مستحسِرةٍ نصفِ مفتوحةٍ تطالِعُهُ مستغيثةً ولكِّنَهُ ملغومٌ فيضرِبُها أبى أم شاء، ضحاياها فرشوا الأرضَ وعجنوا رملها بالّدماء، لا أحدَ ينتشلُهُم؛ فالمُسعفونَ شُهداء، وفوقَ الهلاكِ عذابٌ، يا أسفى على مصيرٍ بتطّرُفٍ ساء، المقبرةُ قد قُبِرَت والّثلاجةُ بلا كهرَباء، ما هذهِ بحربٍ بل إّنَها القيامة، بميزانٍ شيطانِّيٍ بلا استِقامة، وحِسابٍ لا يفقهُ العدلَ وأيادٍ هّدامة، ونُفوسٍ لا هيَ إنسانِّيةٌ ولا لّوامة، منذُ زمنٍ استعّدوا للرحيلِ كأّنَهُم زرقاءُ اليَمامة، كأّنَهم أحّسوا بخُذلانٍ يُصيبُهُم؛ فأبقوْا على الكرامة.

غّزةُ تحتضِر، تُزّجُ في سِجنِ الحِصار، تعيشُ ليلاً لا ينتهي وتشتهي الّنهار، والناجونَ فيها لا يملِكونَ رفاهِّيةَ الانهيار، شُجعانٌ أشاوِسُ أبهرونا إبهار. 

وأنا! أنا، لا أعرفُ ما بالي، مفزوعةٌ مقهورةٌ ذِكرٌ لِسانُ حالي، وحيدةٌ بِلاها في سجى الّلَيالي، يقسو علّيَ كابوسٌ ويُسّلِمُني للّتالي.

وأنا؟ أنا اّلَتي أكرهُ الّتِلفازَ بِّتُ لا أُفارِقُه، أحتضِنُ جهازَ الّتحّكُمِ في كُّلِ وقتٍ أُرافِقُه، بقَلَمي أُحارِبُ وسِلاحُهُم يُسابِقُه، لكِّنَ حرفيَ أقسما باللهِ ما هُوَ تارِكُه.

وأنا؟ أنا أمُّدُ فخذي لرأسِها وِسادة، ورأسُها بعيدٌ عّني، وأنا أفتحُ لها يدّيَ كي أحتويها في حِضني، ويمينُها تُصافِحُ الفراغَ وإّني، لأراها ممدودةٌ ويُخفي مرآيَ حُزني، وأنا؟ أنا بردانةٌ أحتاجُ دفءَ الّلِقاء، أعياني زُكامٌ مِزمِنٌ مِن شِّدةِ البُكاء، على تلكَ اّلَتي لّبَت كُّلَ نِداء، ودفعت شعبَها ثمناً للرايةِ البيضاء،على تلكَ الأبِّيةِ ممسوحةِ الأحياء، حناناً من لدُنكَ وصبراً إلهي، يا رّبَ الّسماء.

عن المؤلف