كتبت لِسُهيلة أحمد عامر
في حي بسيط، حيث المنازل متلاصقة والأشجار قليلة، كانت تعيش فتاة تدعى ليلى. اعتادت أن تمضي ساعات طويلة في غرفتها الصغيرة، تجلس بجوار نافذتها المطلة على الحديقة العامة، تراقب الحياة وهي تمضي خارجًا. في كل مساء، كانت تجد متعة في مراقبة الأطفال يركضون، والعجائز يجرّون أقدامهم ببطء، والطيور تتجمع على أسلاك الكهرباء، كأنها ترسم لوحة لا تنتهي.
في إحدى الليالي، بينما كانت السماء تمطر بغزارة، لفت انتباهها رجل غريب يقف في الحديقة. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا ويحمل مظلة حمراء مميزة. لم يكن وجوده غريبًا بحد ذاته، بل نظراته. بدا وكأنه يحدّق مباشرة إلى نافذتها. تجاهلت الأمر في البداية، لكنها شعرت بشيء غريب في قلبها، خليط من الخوف والفضول.
تكرر المشهد في الليالي التالية. الرجل نفسه، المعطف نفسه، والمظلة الحمراء. أصبح ظهوره جزءًا من روتين ليلى الليلي، لكن قلقها كان يزداد. أخبرت والدها بالأمر، فردّ بابتسامة مطمئنة:
ربما هو أحد زوار الحديقة المعتادين.
لكن ليلى لم تكن مقتنعة. كانت تشعر بأن هذا الرجل يحمل سرًا ما.
ذات ليلة، استيقظت ليلى على صوت طرق خفيف. جلست في سريرها تنصت. الطرق لم يكن من الباب، بل من نافذتها. اقتربت ببطء، وسحبها الخوف كخيوط غير مرئية. وعندما أزاحت الستار، رأته. كان يقف على مقربة، تحت شجرة قريبة، والمظلة الحمراء في يده.
قررت في تلك اللحظة أن تواجه خوفها. أمسكت بمصباح صغير وخرجت إلى الحديقة، متجاهلة صراخ عقلها.
اقتربت منه وسألته بصوت مرتجف:
من أنت؟ ولماذا تراقب نافذتي كل ليلة؟
نظر إليها الرجل، ثم ابتسم بهدوء وقال:
أنا رسام. أبحث عن إلهام يعيد شغفي بالفن، ووجدته فيكِ. ابتسامتك وأنتِ خلف النافذة، الطريقة التي تجلسين بها، نظراتك المتأملة… كلها كانت ما أبحث عنه.
شعرت ليلى بالارتباك والخجل، لكنها شعرت أيضًا بالاطمئنان. كان حديثه صادقًا، ونبرته مطمئنة.
قالت له:
إذا كنتَ تريد أن ترسمني، فافعل ذلك دون أن تزعجني أو تنتهك خصوصيتي.
ابتسم الرجل وقال:
أعدكِ بذلك.
مرت الأسابيع، وفي أحد الأيام وصلتها رسالة منه مع لوحة ملفوفة بعناية. عندما فتحتها، وجدت نفسها مرسومة بجمال مذهل، وهي تجلس بجوار نافذتها تحمل دفترها، وأحلامها تتطاير حولها كالفراشات.
أصبحت اللوحة حديث المدينة، وتحولت ليلى من فتاة عادية إلى مصدر إلهام. تعلمت أن الجرأة في مواجهة المجهول قد تقود إلى قصص لا تُنسى، تمامًا كما حدث معها.
المزيد من الأخبار
كل مستحيل مع الله يتحقق
ستارٌ خلف ابتسامة
سعيٌ نحو الخفّة والسلام الداخلي