خارج السرب

Img 20241216 Wa0045

 

 

كتبت: خولة الأسدي

 

ولكن هذه هي ضريبةُ الاختلاف، الاختلافُ الذي لم يكن يومًا خياري، بل كان قدرًا أنا أكثرُ من عانى منه، ونتيجةً لتفاصيلٍ كنتُ ضحيتها الوحيدة! فأصبحتُ أواجهه مرةً بالقبول، وأخرى بالمقاومة.

كان عليَّ أن أتحمل عبءَ التميز، لا كميزةٍ يُحتفى بها، بل كجرمٍ يستوجبُ النبذَ!

كم عانيتُ وأنا أحاول تشكيلَ هويتي الخاصةَ وسطَ عالمٍ لا يُقدِّرُ إلا التشابهَ!

وكم عانيتُ أكثرَ حين باتَ هذا الاختلافُ جزءًا من واقعي، علامةً تُمَيِّزني وتجعلني هدفًا لسخريةِ الآخرين وهمزاتهم.

 

عندما أعودُ بذاكرتي إلى الوراء، أجدُ أن التنمرَ بدأ منذ وقتٍ مبكرٍ جدًا، ربما حين لم أفطن بعدُ لما يجعلني مختلفةً. كنتُ صغيرةً، بلا وعيٍ كاملٍ بما يحدثُ، لذا لم أكن أشعرُ بالنبذِ كما شعرتُ به لاحقًا. لم أكن أعلمُ أن لهجتي، طريقةَ كلامي، أو حتى أسلوبي في التفكير قد يكونُ مدعاةً للسخريةِ أو النفورِ. لم أكن أدركُ أن ما أراه طبيعيًا في نفسي، يراه الآخرون غريبًا وغيرَ مألوفٍ. كنتُ أعتقدُ أن الاختلافَ نعمةً، حتى بدأتُ أتذوقُ مرارته.

 

كبرتُ وأنا أحاولُ استيعابَ هذا التباينِ بين ما أؤمنُ به عن نفسي وما يراه الآخرون. وفي كل مرحلةٍ، كنتُ أواجهُ نوعًا جديدًا من النبذِ. في المدرسةِ، كنتُ أسمعُ التعليقاتِ المستترةَ التي تخفي وراءها ازدراءً. وفي كل مرة كنتُ أسألُ نفسي: “هل أستحقُّ هذا؟ وهل عليَّ أن أغيّر نفسي لأكون مثلهم؟”

واكتشفتُ في وقتٍ متأخرٍ أن أخواتي كنَّ يحاولنَ تغييرَ لهجتهن في المدرسةِ، في محاولةٍ يائسةٍ للاندماجِ. لكنني لم أكن مثلهن. كنتُ أرى أن عليَّ أن أواجهَ، حتى وإن كنتُ وحدي.

 

اليوم، حين يسألني القلةُ الذين ما زلتُ أحتفظُ بتواصلٍ معهم عن سببِ غيابي عن مواقعِ التواصل، أجدُ نفسي أذكرُ أسبابًا سطحيةً: “مشغولة”، أو “أحتاجُ وقتًا لنفسي”. ولكن الحقيقةَ أنني لم أعد أحتملُ تلك المساحاتِ التي تفرضُ التشابهَ والاندماجَ بالقوةِ. أشعرُ أنني أخوضُ معركةً يوميةً للحفاظِ على ما يميزني وسطَ هذا العالمِ الذي يُمَجِّدُ التشابهَ ويخافُ من كلِّ ما هو مختلفٌ.

 

ربما ما زلتُ أعاني من ضريبةِ الاختلافِ. لكنني الآن أعلمُ أنني لا أريدُ الهروبَ منه. أريدُ أن أظلَّ كما أنا، حتى وإن كان ذلك يعني مواجهةَ المزيدِ من النبذِ، أو السخريةِ. لأنني أدركتُ أخيرًا أن هذا الاختلافَ هو هويتي، وهو الشيءُ الوحيدُ الذي يجعلني أنا.

 

11/11/2023م

عن المؤلف