حـوار:- حور حمدان
الكتابة فن يصنع الأبدية، فما تخطه اليد اليوم يبقى خالدًا ليُحاكي أرواحًا لم تولد بعد.
في البداية أردت الترحيب بڪِ داخل مجلة “إيڤرست الأدبية
أولاً:-أُدعى مريم ناجي درويش، فتاة في السابعة عشرة من العمر، أعيش سنواتي الأخيرة في المرحلة الثانوية، حيث أدرس في الصف الثالث الثانوي. أنتمي إلى الفيوم، تلك البقعة العزيزة التي تحمل في طياتها طابعًا خاصًا يعانق قلبي بشدة، فتربطني بها ذكريات ومشاعر لا تنفصل.
أما عن لقب “كاتبة”، فهو بالنسبة لي أكثر من مجرد لقب يُطلق على صاحبه، بل هو وسام يحمل في ثناياه مسؤولية كبيرة. فالكتابة ليست حروفًا تُجمع على الورق فحسب، بل هي أداة للتعبير العميق، وجسر يربط بين الأفكار والمشاعر، ورسالة تسعى إلى التأثير في الآخرين بصدق وجمال. لذلك، أعدّ هذا اللقب شرفًا يستحق الاجتهاد المستمر والسعي الدائم نحو الإبداع والتطور.
حدثتني بُكل شغف عن بدايت أڪتشافها لتلڪ الموهبة المُتميزة
موهبتي الأساسية هي الكتابة، وهي بالنسبة لي أكثر من مجرد هواية. الكتابة وسيلة للتعبير عن نفسي ومشاعري وأفكاري. منذ صغري، كنت أجد في الكلمات ملاذًا للهروب من الواقع، أو للتعبير عن الأشياء التي يصعب عليّ قولها بشكل مباشر. سواء أكتب قصصًا قصيرة، أشعارًا، أو حتى أفكارًا وأحاسيس عابرة، كانت تمنحني القدرة على صياغة العالم كما أراه وأشعر به،أعتبر الكتابة أيضًا وسيلة للتفاعل مع العالم، أستطيع من خلالها أن أتواصل مع الآخرين وأشاركهم تجاربي ورؤيتي. أحيانًا، عندما أكتب، أشعر وكأنني في رحلة اكتشاف مستمرة، حيث أتعلم المزيد عن نفسي وعن الحياة من خلال الكلمات التي أنتقيها بعناية. أؤمن أن الكتابة ليست فقط موهبة فطرية، بل هي أيضًا مهارة تُصقل بالممارسة والوقت، ولهذا أعمل دائمًا على تحسين أسلوبي وتوسيع معرفتي في هذا المجال.
طرحتُ عليها سؤالًا قائلًا: كيف اكتشفتِ أن لديكِ هذه الموهبة؟ ومتى كان ذلك؟ ومن الذي ساعدكِ على تنميتها؟
أجابت بِڪُل حماس قائلة،
في البداية، لم أكن أجد في القراءة أو الكتابة مكانًا في عالمي، ولم أعتبرهما ركنًا أساسيًا في حياتي. كنت دائمًا أرى أن الوقت الذي أقضيه في القراءة أو الكتابة يمكن استثماره في أمور أخرى أعتبرها أكثر نفعًا. لم يكن لدي ميل أو شغف تجاههما، بل كنت أنظر إليهما على أنهما مجرد أنشطة رتيبة قد تُثقل الوقت دون أن تضيف إليه قيمة تذكر، لكن الأمر تغيّر حينما بدأ بعض أصدقائي يوجّهون أنظاري إلى عوالم الكتابة والقراءة بطريقة مختلفة. كانوا يُهدونني كتبًا تحمل أفكارًا مميزة، ويشاركونني تجاربهم مع الكتابة، محفزين إياي على أن أخوض هذه التجربة بنفسي. في البداية، لم أكن أستجيب بحماسة، ولكنهم أصرّوا على أن أقرأ ولو قليلًا، وأن أحاول تدوين خواطر بسيطة. وشيئًا فشيئًا، أدركت أن القراءة ليست مجرد كلمات عابرة على صفحات الكتب، بل نافذة واسعة تُطلّ بي على رؤى جديدة، تُحرّك العقل وتفتح آفاقه حينما جرّبت الكتابة لأول مرة، وجدت فيها لذة عجيبة لم أتوقعها. بدأت أخطّ كلمات بسيطة تُعبّر عن أعماقي، وشيئًا فشيئًا شعرت أن الكتابة تُلامس روحي وتكشف عن مكنوناتي. اكتشفت أن الكتابة ليست مجرد أدوات لتدوين الأفكار، بل هي انعكاس لذات الكاتب، صوتٌ خاص ينطق بما قد تعجز الألسن عن البوح به. ومع مرور الوقت، ازداد تعلقي بها، وبدأت أقرأ الكتب بشغف، تلك الكتب التي جعلتني أعيش في عوالم أخرى، وعلمتني كيف تنبض الكلمات بالحياة، بفضل أصدقائي وإصرارهم، اكتشفت عالمًا لم أكن أعرفه من قبل، عالمًا تتشابك فيه القراءة والكتابة ليصبحا جزءًا لا يتجزأ من كياني. واليوم، أراهما وسيلتي للتعبير عن نفسي، وصوتي الذي أخاطب به الحياة من حولي.
إجابتها الرائعة حقًا أدهشتني، ثم تابعت حديثها بحماس، مترقبة المزيد من حديثها المبدع.
وبعد صمت لبعض لحظات القيت عليها سؤال وكان، هل سبق لكِ أن شاركتِ في مشروع أدبي جماعي؟ وكيف كانت تجربتك؟
إبتسمت بفرحة قائلة شاركتُ بقصة قصيرة تم اختيارها لتكون جزءًا من كتاب مجمع سيُعرض في معرض القاهرة الدولي. كانت هذه تجربة فريدة بالنسبة لي، إذ كانت المرة الأولى التي أشارك فيها في عمل جماعي من هذا النوع. كانت فرصة رائعة لإظهار قدراتي الأدبية أمام جمهور أوسع، كما أن الكتاب سيجمع أعمالًا لكتّاب مختلفين، مما أضاف قيمة كبيرة لتجربتي. منحتني هذه المشاركة الفرصة للتعلم والتطور من خلال التفاعل مع كتّاب آخرين.
كما قالت مريم أن لديها أحلام مُعينة
لدي العديد من الأحلام والطموحات التي أود تحقيقها في المستقبل، من أهم هذه الأحلام هو أن أكون كاتبة محترفة، أتمكن من كتابة أعمال أدبية تؤثر في الآخرين وتحقق نجاحًا واسعًا، أريد أيضًا أن أحقق التوازن بين شغفي بالكتابة وبين طموحي في مجال آخر، وهو أن أصبح دكتورة في الطب النفسي. أؤمن أن هذا المجال يمكن أن يساهم في مساعدة الناس وتحسين حياتهم النفسية، وهو حلم آخر أعمل من أجله.
أيضًا، أطمح إلى أن أكون ناجحة في حياتي الشخصية والمهنية، وأن أحقق استقلالي المالي من خلال بناء مستقبلي المهني الذي يتماشى مع أهدافي وطموحاتي، وبالطبع أسعىٰ؛ لتحقيق سلام داخلي من خلال تطوير نفسي ومهاراتي باستمرار.
ألقيت عليها سؤال جعلها صامتة عدة لحظات وڪان السؤال “ما هي التعثرات اللتي وقعت بها في مجالك
في البداية، كنت أواجه صعوبة كبيرة في الكتابة باللغة العربية الفصحى، لم أكن أتمكن من التعبير عن أفكاري بشكل سلس أو دقيق، وكان ذلك يؤثر على قدرتي في الكتابة بشكل عام، لكن مع مرور الوقت، بدأت أكتشف أهمية القراءة في تحسين مهارات الكتابة. بدأت أقرأ الكتب والمقالات باللغة العربية الفصحى بشكل أكبر، مما ساعدني على تحسين حصيلتي اللغوية وتوسيع مفرداتي. من خلال قراءة النصوص الأدبية والقصص، تعلمت كيفية استخدام الكلمات بشكل صحيح وكيفية بناء الجمل بطريقة منطقية وواضحة.
القراءة كانت بمثابة المفتاح الذي فتح أمامي عالم الكتابة بشكل أفضل. كانت تُثري ذهني بالكثير من الأفكار والمفاهيم، مما جعلني أكثر قدرة على التعبير عن نفسي في الكتابة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت أكثر وعيًا بالقواعد اللغوية والتركيب اللغوي السليم، وهذا جعلني أكتب بشكل أكثر فصاحة ودقة. على الرغم من أنني لم أبدأ الكتابة بشكل قوي باللغة الفصحى، إلا أن القراءة كانت هي العامل الأساسي الذي ساعدني على تحسين مهاراتي في هذا المجال.
ولڪن ڪان لها أجابة أخرى عندما القيت عليها سؤال’الصراعات المتلازمة بين الكُتاب داخل الوسط شئ خطأ أم عادي؟! واذا كان عادي لماذا.؟
الصراع بين الكتاب في الوسط الأدبي موضوع معقد وله جوانب متعددة. من ناحية، يمكن أن يكون هذا الصراع ظاهرة طبيعية في أي مجال من مجالات الإبداع. ففي الأدب، كما في أي فن آخر، يسعى كل كاتب إلى تميز عمله والظهور بصفته صاحب رؤية وأسلوب خاص. وبالتالي، قد يحدث نوع من المنافسة بين الكتاب لتحقيق هذا التميز، سواء على مستوى التأثير أو الاعتراف الأدبي.
لكن في نفس الوقت، هذا الصراع قد يكون سلبيًا إذا تحول إلى نوع من التناحر الشخصي أو محاولة إقصاء الآخر. في الوسط الأدبي، من المهم أن يكون هناك دعم متبادل بين الكتاب، حيث يمكن لكل كاتب أن يتعلم من الآخر ويستفيد من تجاربه. الكتابة في النهاية هي وسيلة للتعبير عن الذات والتأثير في المجتمع، والصراع يجب أن يبقى محصورًا في الإبداع والتطوير الشخصي، وليس في محاولة تقليل من شأن الآخرين أو تقويض أعمالهم.
إذا تحول هذا الصراع إلى حالة من الهجوم أو الانتقاد الهدام، فإنه يفقد معناه ويصبح غير مفيد، بل قد يؤثر سلبًا على حركة الأدب بشكل عام. من الأفضل أن يتعاون الكتاب على نشر ثقافة النقد البناء والتشجيع على التنوع الأدبي، مما يساهم في إثراء الساحة الأدبية ويُسهم في تقدم الجميع.
أردات المُبدعة أن تشارڪنا شئً مِ أبداعات قلمها المُتميز
*حين لا يتكرر القلب*
قد تجد ملامحًا تتكرر، وجوهًا تمر أمامك، كأنها قطع من أحجية مألوفة، وكأن الكون يعيد نسخ نفسه بلا ملل، قد تصادف عيونًا تقترب من تلك التي نظرت إليك يومًا، شفاهٌ تحمل ذات الابتسامة التي أيقظت قلبك من سباته، لكن كيف للقلبِ أن يكون قابلًا للاستنساخ؟ قلبي ليس مجرد عضلة تنبض، إنه شجرة وحيدة واسعة، جذورها تمتد عميقًا في تربة الألم، وفروعها تحمل ثمارًا من أحلام لم تنضج بعد، قلبي يحمل على عاتقه أوزار ماضٍ لم يمضِ، وأشباح ذكريات تأتي كل ليلة؛ لتسرق مني يقيني، كيف له أن يكون جزءًا من قطيع! وكيف له أن يُخلق منه أربعون؟
كل نبضة فيه تروي حكاية، كل انقباض وانبساط هو قصيدة لم تُكتب بعد، لحن يعزف بصمتٍ على أوتار الغيب، هناك دموع لم تُذرف، خيبات لم تُنسَ، وأفراح عابرة سكنت فيه للحظة، ثم اختفت كأنها لم تكن، فؤادي لا يتشابه مع أي شيء؛ لأنه لا ينتمي إلى هذا العالم، هو لغة غير مفهومة، حروفها مبعثرة كنجوم في سماء ضبابية، هو وطن بلا حدود، أبوابه مفتوحة للريح، لكنه يختبئ حين يحاول أحد الدخول، كم من الأرواح حاولت أن تقرأني، كم من العيون حاولت أن تسبر أغواري، لكنني ظللتُ دائمًا شخصية مجهولة، صفحة في كتاب لا يُكمل أحد قراءته، قد خلق الله من الطين أربعين، لكن القلوب ليست طينًا، القلوب أرواح، والأرواح واحدة في اختلافها، لذا مهما بحثت لن تجد قلبًا كقلبي، لن تجد تلك الفوضى المنظمة التي تعشق الهلاك وتخشى الخلاص، لن تجد ذلك البئر العميق الذي يبدو فارغًا، لكنه يمتلئ بكل ما لا يُرى، ابحث عني ما شئت، بين الوجوه، والعيون والصور، ابحث عن قلب يشبه قلبي، ستتعب في رحلتك؛ لأن ما بداخلي ليس للبحث، بل للاكتشاف، ليس للتكرار، بل للخلود في ذاكرة من مرّ به يومًا، أنا لستُ كائنًا يتكرر، ولن يكون لي شبيه، أنا القلب الذي لا يُخلق منه أربعون.
> مريم ناجي.
كما قالت عن قدوتها في المجال
قدوتي في الكتابة هم أولئك الذين استطاعوا أن يحفروا بأقلامهم آثارًا في الذاكرة الأدبية، وأولهم نجيب محفوظ، الذي جسّد معاناة البشر وواقعهم بعين دقيقة لا تخطئ، وكان أسلوبه قادرًا على كشف الأعماق المظلمة لأرواحهم.
ثم يأتي أحمد خالد توفيق، الذي جمع بين الخيال العلمي والفكر الفلسفي بأسلوب يجذب القارئ إلى عوالمه المدهشة، ويحثه على التفكير العميق في أسئلة الحياة والموت، أسلوبه الساخر الذي يمزج الجدية بالفكاهة كان نقطة التحول التي ألهمتني بشكل خاص.
أما في عالم الشعر، فلا يمكنني أن أغفل نزار قباني، الذي قدم لنا أروع قصائد الحب والسياسة، فجعل الكلمات تنبض بالمشاعر الإنسانية العميقة، وكأنها تعبير صادق عن ما يختلج في النفوس.
وأحمد شوقي، الذي أرسى أركان الشعر العربي الحديث من خلال أعماله الوطنية التي تعكس التفاني في حب الوطن، كان نموذجًا للأدب الرفيع الذي يلامس الروح.
ولا يسعني إلا أن أذكر المتنبي، الذي كان بجرأته وفخره شاعرًايتحدى الزمن، فحكمته وقدرته على التعبير عن الذات في أروع صورها جعلته من أبرز الشعراء الذين أثروا في الفكر العربي، كان شعره مزيجًا من الفخر والحكمة والفلسفة، ملهما لكثير من الأدباء والشعراء بعده.
أعتبر أيضا، أن هناك العديد من الكتاب المعاصرين الذين ألهموني بأسلوبهم وأفكارهم، فكل منهم يملك قدرة فريدة على التعبير عن القصص الإنسانية والمشاعر بشكل يتناغم مع الواقع. ورغم أنني استفدت كثيرًا من تجارب هؤلاء الكتاب، إلا أنني أسعى إلى تطوير أسلوبي الخاص الذي يعكس جوهري وتجربتي، بعيدًا عن التقليد أو التبعية. أشكر هؤلاء الأدباء على ما قدموه من إلهام، فقد كان لهم الفضل في فتح آفاق جديدة أمامي، وجعلوني أقدر قوة الكلمة وأثرها العميق.
كما أصرحت أنها تريد العمل في المجال
بالطبعِ سأوافق على العمل داخل المجال، وهذا ما سأعمل عليه بإذن الله الفترة القادمة بعدما أضمن مسيرتي التعليمية.
والأن أرُيد ألقاء نصيحة لڪُل ڪاتب مبتدئى داخل المجال
أنصحكم بأن تسيروا في طريق الكتابة بتأنٍ وصبر، فالأقلام لا تثمر إلا بالاستمرار في نزف الحروف وتحرير الأفكار من القيود. لا تدعوا خيوط الشك والرهبة تعيق خطواتكم، فكل كلمة تكتبونها هي جزء من تطوركم وارتقاءكم في عالم الأدب. لا تخافوا من العثرات، فإنها ما هي إلا محطات في طريق طويل نحو الإبداع. استمروا في البحث عن الحقيقة في كل نص، ولا تلتفتوا إلى الصعاب، فالكتابة ليست مجرد حروف، بل هي رحلة لا تنتهي.
ما رأيك في الحوار مع مجلة إيڤرست الأدبية
أعتقد أنه كان تجربة مثيرة ومثمرة. سمح لي بالتعبير عن أفكاري وآرائي في مجال الكتابة والأدب بشكل أكثر وضوحًا. أرى أن الحوار قد أتاح لي فرصة للتواصل مع جمهور أوسع، ومشاركة جزء من رحلتي مع الكتابة. كما أن الأسئلة كانت محفزة، مما جعلني أستطيع التفكير بشكل أعمق حول تجاربي وتوجهاتي الأدبية. بالنسبة لمجلة إيفرست، فهي منصة رائعة، تمنح الكتاب فرصة للتعبير والإبداع، وأرى أنها تساهم في تسليط الضوء على أصوات جديدة في الساحة الأدبية.
المزيد من الأخبار
المُبدع محمد أبو زيد في حوار خاص لمجلة إيفرست الأدبية
منى علي ربيعي… امرأة من الجنوب كتبت قصة إنسانية تُلهم الوطن
مجلة إيفرست الأدبية تستضيف المبدع عبدالله عمر