عراف الماء بين سطور إيفرست

 

كتبت: كلاوديا عاطف

 

سأتحدث اليوم عن رواية الأديب الكبير “أندرو أنستاسيوس” والصادر عن كتاب كتوبيا للنشر والتوزيع
تلك الرواية لا تتحدث عن الحرب؛ فهي لا تهاجم الحرب أو تبررها، الكلام عن الحرب مستهلك، محفوظ، الرواية لمن لم تذكرهم الحرب، لمن دفعوا حياتهم، وحياة احبائهم، ثمنًا لشيء لا يعرفون ما هو، لمصالح آخرين، رواية عن المنسيين، المهمشين في القصة، ولولاهم ما كانت القصة.

 

رواية مؤلمة، تفاصيل معاناة الجنود، رؤيتهم مقتل أصدقائهم، واخوتهم، معاني الفقد، والتضحية، والشقاء.. لم تتخذ جانبا محددا، لا ملائكة وشياطين، لا استراليين اشرار واتراك ابرياء ولا العكس، الكل جانٍ والكل مجاني عليه، حزن كونور هو حزن عائشة، فقدهما واحد، وبؤسهما واحد، كلهم ببساطة بشر، لا انتصار لإيديولوجية ولا عرق.. بشر، وكفى.

 

“-اخبرني أيها الاسترالي، أي جزء من الإمبراطورية العثمانية حصلت أستراليا عليه؟
-لا شيء مهم، فبالنسبة لنا لم تكن الحرب تتعلق بالأرض قط.
علق جمال بسخرية:
-دائما ما يتعلق الأمر بالأرض. الإنجليز حصلوا على مصر وفلسطين، وفرنسا حصلت على سوريا. حتى إيطاليا حصلت على شاطيء. وأنتم لم تحصلوا على أي أرض؟!
-لسنا بحاجة إلى المزيد من الأراضي. لدينا الكثير منها بالفعل، لم يعرف الاستراليون أين كانت تركيا أصلا قبل الحرب، قاتلنا من أجل مبدأ”.

 

انتهت الحرب العالمية الأولى مُخلفة خلفها ٣٧ مليون ضحية، بين قتلى وجرحى، و ١٢ مليون صنفوا كمفقودين، لكن.. ما هو مصيرهم؟ ما معنى “مفقودين”؟ كيف كان وقع الكلمة على قلوب أهلهم؟ بالنسبة لنا فالحرب انتهت، وأرقام الضحايا بلا معنى، نسمعها، نسب الحرب ومن بدأها ثم ننسى الأمر برمته، ولكن.. هل الوضع مشابه بالنسبة لأُسرهم؟

 

جوشوا كونور هو مزارع استرالي، ذهب أبناءه الثلاثة “ادوارد” “ارثر” و”هنري” إلى الحرب، سافروا لأكثر من نص الكرة الأرضية، من استراليا حتى الدولة العثمانية، تحديدا جاليبولي، حيث المعركة الشرسة. بُلغ كونور وزوجته ليزي أن أبناءهما مفقودون، تمسكت ليزي بالأمل، سيعودون يوما ما، لن يتركوها، أجبرت كونور على قراءة قصص ألف ليلة وليلة للأطفال -غير الموجودين- كل يوم قبل النوم.. وبعد فترة أدركت الحقيقة، لم يعد هناك أطفال، لم تعد أمًا. وقررت اللحاق بهم.
في جنازتها وعدها كونور أنه سيدفن أبناءهما جوارها، لن يتركها وحيدة.. قتل كلبه وأخذ حقيبته ومذكرات ارثر.. وانطلق في رحلة لنصف الكوكب الأخر.

 

عائشة هي سليلة أسرة تركية أرستقراطية، والدها كان طبيب السلطان عبد المجيد، اعتادت الرخاء والترف في حياتها، لكن بوفاة زوجها في الحرب، وبعد تدهور الأوضاع، فقد والدها عقله، واضطرت لبيع ممتلكات العائلة لتصرف عليه وعلى ابنها الصغير.

 

كونور وعائشة ضدان، وطن كل منهما الكبير تسبب في مقتل وطن الآخر الصغير، ما هو الرابط بينهما؟ كيف سيضع القدر طريقهما حوار بعض؟

 

سرد رقيق، كلاسيكي، شاعري، يأخذك لوقت الحدث، تسافر لها حتى تنسى أين كنت من قبل، لم يخلُ من التطويل، لكن وصف معالم، وعالم جديد كليا بالنسبة لي كان بديعًا، ترجمة ساحرة، ولغة قوية.

عن المؤلف