كتبت ملاك عاطف
كانَ شُعورًا لا يوصف!
حينَ فقدْتُ رفاهِّيةَ الإنشادِ بكَيْتُ سكوتَ أنغامي إلى الأبد، وتَنَّهَدَتْ حنجرتي ألفَ تنهيدةٍ بل يزيد، ولم يشفَعْ لها سَيْلُ تنهيداتِها عندَ سِيادةِ الوجع؛ فاستَسْلَمَتْ لأنينِها حَّتى ألِفَتْهُ وأدمَنَتْه.
كُنتُ حزينةً واستَحْيَيْتُ مِنَ الّلَهِ أن أبُّثَ لهُ حُزْني وقتها؛ رُّبَما لأّنَهُ كانَ شديدًا وقاسِيًا أضعافَ قساوةِ ذاكَ الفقد، ورُّبَما لأَّنَ ترتيبَ الكَلِماتِ والعِباراتِ كانَ قد ذابَ في حضرةِ جلالِهِ وانكَمَشَ بِذُّلٍ بَيْنَ ثنايا أمرِهِ المُتَجَّسِدِ بصورَتِهِ البازِغةِ بُزوغَ الّشَمْسِ في نَّصِ الحَديث: “الحلالُ بَّيِن، والحَرامُ بَّيِن، وبينَهُما أمورٌ مشتبهات لا يعلمها إّلا الله؛ فمن اّتَقى الشُبُهات، فقد استبرأَ لِدينِهِ وعرضه…..”.
وقتَها، اشتَرَيْتُ محارةً لِديني، وخِمارًا لِطَرَبي، ودفعتُ ثمنَهُما صَبرًا كثيرًا، وحبستُ شهوةَ الوَطَنِ في قَفَصٍ مُذَّهَبٍ بانتِظارِ العِوَض!
اعتَذَرْتُ مِنهُ في حينِها، ووعدتُهُ أن يكونَ قلمي نبعٌ لِرِسالاتي، وأن أُتَرْجِمَ بِإحساسي دُرَرَ البلاغةِ العَميقةِ المَحْشُّوةِ بَيْنَ سُطورِها.
وهاأنا أعودُ اليومَ إلى ثراهُ أُقَّبِلُهُ، وأتْرُكُ دمعاتي تتخَّلَلُ ذّراتِ تُرابِهِ الّزَكِّيةِ، وأُعيدُها بمِلءِ رضايَ وتَسْليمي: آسِفةٌ يا وطَني؛ فعظيمُ عوضِ الباري خيرٌ وأبقى مِنْ عَبيرِ صوتي ودفءهِ اّلَذي كانَ يُناغي صمودَكَ الأزَلِّيَ وَشبابَكَ الهَرِمَ بلا مَلَل!
لماذا يا فلسطيني؟
لماذا يا حَبيبةَ القَلْبِ؟!
لستُ أعلم، فمبلَغُ عِلْمي لم يرْتَقِ إّلا سلالِمَ الّسَمْعِ والّطاعة!
(إلى مشاعِري الّشَّفافةِ الّصادِقة، ذاتِ الّلُغةِ والهُوِّيةِ المسحوبة، على مسارِحِ الفِرْدَوْسِ المُلتقى، حيثُ الملائِكةُ والحورُ جُمْهورُنا، وحَيْثُ الّلَهُ يُكَّرِمُنا أمامَ جُموعِ خلقه)!!
وإلى حينِها أقول: “من ترك شيئًا لله، عَّوَضُهُ اللهُ خيرًا منه”
لكَ يا رَّبِ؛ فلا تجعلْ فيه ذّرةَ رياء، وتقَّبَلْ ثُّمَ تقَّبَل ثُّمَ رَّضِني وتَقَّبَل!
المزيد من الأخبار
محرقة
نار بلا وقود
الحب والتضحية