5 أكتوبر، 2024

أنا والفراشة ورحلة السعي 

Img 20240925 Wa0136

 

كتبت: هاجر حسن 

 

 

لن تستطيعين؛ جملة تتردد على مسامعي مرارًا وتكرارًا، وكأن من حولي لا يعرفون قولًا سواها. أفكاري تطير نحو طموح قريب مني كالنجوم، لكن كلما حاولت الاقتراب، شعرت كم هو بعيد المنال. 

 

أغمضت عيني محاولة للهروب من تلك الأفكار الثقيلة، وفجأة شعرت بشيء يلامس يدي. فتحت عيني فإذا بفراشة صغيرة زرقاء، أجنحتها تشع بلمعان زرقة مياه البحر. نظرت إليّ وقالت بصوت هادئ: ” لا تخافي، أستطيع التحدث بلغة الإنسان، وأعرف كل شيء عنك.” طارت بأجنحتها الخلابة، ثم قالت: “اتبعيني، لدي شيء أود أن أريكِ إياه.”

 

تبعتها وعيني على حركتها الرشيقة حتى وصلنا إلى مشتل يعج بأنواع خلابة من الزهور والفراشات. الألوان تحاكي اللوحات الفنية، والفراشات تنتقل من زهرة إلى أخرى ببهاء يأسر القلب. وسط هذا الجمال البهي، وقفت الفراشة أمام صناديق مغلقة، ثم قالت لي: “هل يعجبك المكان؟ ما رأيك بعائلتي من الفراشات؟” 

أجبتها منبهرة: ” أنا مبهورة بجمالها، وكأنها تنشر السعادة مع كل رفرفة، وأكثر ما يثير اندهاشي هو نشاطها المستمر بين الأزهار.” 

 

ابتسمت الفراشة وفتحت صندوقين. بداخلهما كانت هناك يرقة ودودة تتحركان ببطء. 

نظرت لي بحكمة وقالت: “انظري جيدًا. هكذا كنا نحن قبل أن نتحول إلى فراشات تخطف الأنظار. 

هذه اليرقة، الصغيرة، البطيئة التي لا تستطيع الطيران، كانت تظن أن حياتها ستبقى هكذا: زحف مستمر على الأرض، تقييد في الحركة. لكنها جاهدت حتى لا تكون هذه النهاية”

 

ثم تنهدت وتابعت قائلة: “اليرقة تمر بالكثير من التحديات قبل أن تصبح فراشة. تبدأ حياتها بالزحف والسير في طريق طويل، حيث تغذي نفسها بشراهة، حتى تشعر وكأنها تحمل الدنيا على أكتافها. ولكنها لا تتوقف. ثم تأتي أصعب مرحلة؛ التحول إلى شرنقة. إنها فترة انتظار، صمت مرعب، عزلة مظلمة. تشعر بأنها مسجونة، في زنزانة مقيدة بلا حراك. لكن رغم الظلام والخوف، تصبر لتأتي اللحظة المنتظرة.”

 

نظرت إليّ نظرةً مليئة بالحكمة وأضافت: “تلك العزلة، هي التي منحتها القوة، هناك داخل الشرنقة، يعاد ميلادها من جديد، ليس من السهل تخليها عن شكلها القديم، لتتحول وهي تشعر بالخوف من المجهول، ومن عدم النجاة. لكنها بعد الصبر والإرادة، تخرج في النهاية فراشة، قوية، حرة، بأجنحة قادرة على التحليق حيثما شاءت.”

 

ثم قالت وهي ترفرف حولي: “هكذا هو النجاح، يشبه هذا التحول.” هو ليس طريقًا سهلًا، ستواجهين مراحل مختلفة من الشك، الخوف، الإحباط. كُلما شككتِ في قدراتك، وأحبطتك كلمات من حولك، كأنكِ عالقة في شرنقة مثل اليرقة، تذكري اليرقة. كانت تؤمن بتحولها فنجحت. وأنتِ أيضًا، إذا أمنتِ بأحلامك، وقدراتك، يمكنك التحليق بجناحيكِ نحو أهدافك.”

 

شعرت بنسمة هواء باردة، ففتحت عيني، لأجد نفسي جالسة في سريري. تساءلت: “هل هذا حُلمًا أم واقعًا ممزوج بالخيال؟” لكنني أدركت شيئًا. 

أنا لست أعجز من يرقة تحولت إلى فراشة. ذلك الحلم وتلك الفراشة علماني أن النجاح ليس في الحلم وحده، بل في الصبر والقدرة على المواجهة. تلك التحديات التي أخشاها، هي نفسها ما سيصنع أجنحتي التي سأحلق بها نحو سماء النجاح.

 

ثم تذكرت قول محمود درويش: ” أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول.”

عن المؤلف