كتبت : محمد ابراهيم
اليوم وقد وضعت أسس وقواعد للكتابة بمختلف أنواعها، فقد تبين من يستطيع ومن لا يستطيع، وقد تطورت هذه القواعد في عصور مختلفة، ولكن يظل الأدب أدبًا ثابتًا لا يتغير، حتى يأتي هذا التخلخل الذي أضعف أركانه، وصار كل مبتدع يلقب ما يفعله بالأدب، وهذا ليس صوابًا.
فقط سأضع بعض النقاط الهامة لإظهار ماهية الأدب، وإعطاء كل شخص حقه فلقد عرفنا كلمة الأدب في مختلف العصور من الجاهلي للإسلامي، يتبعهما الأموي والعباسي حتى عصرنا الحالي.
في العصر الحالي: كلمة الأدب توضع في ركنين؛ ركن الأخلاق عندما نقول فلان مؤدب وهذا ذكر هذه الحقبة مِن الزمن، ويأتي أيضًا موضع كل إبداع فكري يطبق على أرض الواقع مِن شعر، ونثر فنقول فلان أديب كبير، فنصف هنا مقدار إبداعه وكل ما ينتجه من إبداع فكري على الورق، فلا نحتاج لتوضيح أكثر من كلمة أديب فهنا ترابط بسيط، ولكن من أين أتت هذه المعاني؟
في العصر الجاهلي: كان أول ظهور لكلمة الأدب كانت تخرج عن سياق الأخلاق والإبداع وإنما وضعت نفسها موضع الطعام، فلا تتعجبوا فقد تطور هذا المعنى عبر العصور، وقد ذكر هذا الأمر في بيت شعر يصف فيه عدي ابن زيد العبدي المطر والرعد قائلًا: زجل وبله يجاوبه دف *** فلخون مأدوبة وزمير
وقال طرفة ابن العبد متفاخرًا بدعوته للناس للطعام وقت الجفاف قائلًا: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الأدب فينا يفتقر.
لقد حضر معنى المأدبة موضع الطعام في العصر الجاهلي، وهو مشتق من الأدب كما أتى شرح أبياتهما فقد اقتصر المعنى على الطعام لا أكثر، ومِن ثمَّ أتى الفتح الإسلامي، وتغير مفهوم كلمة الأدب.
العصر الاسلامي: قد حمل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم رسائل تعبر عن الأدب في ذلك العصر حتى صار نهج الأدب حينها من نهجنا، فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:
(أدبني ربي فأحسن تأديبي) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا التأديب بمعنى الأخلاق وتحسين ما بجوفنا، فقد اشتهر النبي بحسن أخلاقه، وسعة صدره، وصبره، وقد زينته الأخلاق بزينة لا تتكرر لأي بشر منا، ومن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أتى الفاروق رضي الله عنه يخاطب ابنه عبد الرحمن قائلًا: يا بني! انسب نفسك تصل رحمك، واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك، فإن من لم يعرف نسبه لم يصل رحمه، ومن لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقاً ولم يقترف أدبََا.
ابتغي لابنه الصلح، ومحاسن الأخلاق فنصحه بمجاورة الشعر مِن محاسنها؛ حتى يحسن أدبه ومن بعد إنتهاء عصر الخلافة وظهور الدولة الأموية تغير مفهوم الأدب.
في العصر الأموي: حمل بين ثناياه معاني الأدب، وقد طوره للعلم فقد كان الخليفة حينها يجلب مجموعة من القادة، والمؤرخين وكل من يجيد علمًا من علوم الدنيا والدين؛ كي يعلم ابنه حتى يكون جاهزًا لخلافته، هكذا كان مفهوم الأدب في العصر الأموي، ومن ثم تابع التطور مجراه حتى وصل لعصرنا الحالي كما عرفناه منذ قليل، ولكن هل ما ذكر منذ قليل يتم العمل به في أرض الواقع؟
-التخلخل الأدبي
لقد علمنا أن معنى الأدب في العصر الحالي الأخلاق، والتأليف الإبداعي كما علمنا أن لكل فن كتابي أساسيات وقواعد، ولكن يحزنني أننا أخذنا معنى التأليف دون الرجوع لمعنى الأخلاق فقد أخبرني دكتوري الجامعي أن الأدب والتأليف إذا اجتمع مع المحرمات تداعى الأدب كله، فلقد وضع الأدب كنهج لوصف المجتمع، والدفاع عنه، والحصول على كامل حقوقه ووصف سجية الشخص الداخلية ومعاناته، ولكن وضع مجتمعنا أسس مختلفة فقد صار الأديب فلان يكتب عن جسد محبوبته وكيف كان يفعل معه كذا وكذا، لقد تلاشى الإبداع وحل محله الشهوة، وصار كل من يحمل في جوفه مثقال حبة من الحزن والشهوات يدعى الأديب فلان، حتى تداعى الأدب كما يتداعى منزل القش مع الريح، ولقد وضعنا هؤلاء موضع الليث على الغابة فصاروا يكتبون ونحن نقرأ بلا أي اعتراض حتى نضيع كل ما قد بُني على مر العصور.
وإني أتعجب كل التعجب من عدم التحرك لإيقاف هذه المهازل، ووضع حد لها وعلى الناس أن تعي موضع الخطأ من موضع الصواب، وأن تقتنص فرصة لإظهار حقيقة هؤلاء البشر الذين طمحوا لإفساد ما فينا جميعََا لقد تداعى الأدب تداعى كل ما قد بني من قبل.
أريد أن أقترح عليكم وضع حد لهذه الأمور اعلموا الصواب من الخطأ، ولا تدَّعوا أن هذا ما هو إلا حق الكاتب لا، فمن حق القارئ أن يخبر الكاتب بحقيقة ما يكتبه، فقط لا تتوقفوا عن ذكر هذا الأمر بينكم، وحاولوا أن توعوا غيركم له.
محمد إبراهيم”سجين”
المزيد من الأخبار
الهربس وأعراض الإصابة بِه….فما هي عدوى الهربس؟!
المبدعة نهى غريب بين طيات مجلة إيفرست الأدبية
خلاصة لقاءات نفسية