كتبت: إيمان يوسف احمد
الصفحة 16
ليان جلست على سريرها تمسح دموعها، وعينيها مليئتان بالذعر.
كلمات أبيها تتردد في رأسها كالرعد: “أنا عارف كل حاجة.”
هل كان يقصد حبها لآدم؟ أم السر الذي لم تفهمه بعد؟
شعرت أن جدران البيت تتحول إلى زنزانة خانقة.
كتبت في دفترها: “الصمت صار لعنتي… وصار نجاتي.”
وفي اليوم التالي، التقت آدم بعينين غارقتين في الدموع.
قالت له: “أنا مش قادرة أعيش كده.”
أمسك بيديها، وقال: “مهما حصل، أنا مش هسيبك.”
لكن قلبها ارتجف، كأن نبوءة سوداء تحوم حولهما.
وكانت لا تعلم أن القدر بدأ يكتب سطورًا أشد قسوة.
(16)
الصفحة 17
سليم لم يكتفِ بالتحذير، بل بدأ يراقب كل خطوة لابنته.
كان يفتح حقيبتها، يفتش هاتفها، ويستجوبها بلا رحمة.
نهى حاولت أن تمنحها الأمل: “لا تخلي أبوكي يسرق فرحتك.”
لكن ليان كانت تمشي على خيط رفيع بين الحب والخوف.
في كل لقاء مع آدم، كان قلبها يرفرف كطائر يبحث عن سماء.
قال لها: “لو اضطريتِ تختاري، هتختاري مين؟”
ترددت طويلًا قبل أن تجيب: “أنا مش قادرة أخسر حد… لا أنت ولا نفسي.”
ابتسم بحزن، كأنه يعرف أن الاختيار قادم لا محالة.
وكانت الرياح تشتد من حولهما.
لتقودهما إلى عاصفة لا مفر منها.
(17
الصفحة 18
في ليلة مظلمة، سمعت ليان أباها يتحدث مع رجل غريب.
قال بصوت منخفض: “البنت دي ما ينفعش تعرف الحقيقة، مش لازم.”
ارتجفت خلف الباب، قلبها يكاد يقفز من صدرها.
أي حقيقة يخفيها عنها؟ هل تخص أمها؟ أم تخصها هي؟
حين حاولت أن تفهم، شعرت بيد تمسك كتفها.
التفتت، فوجدت نهى تنظر إليها بقلق.
قالت: “إنتِ لازم تكوني أقوى من خوفك.”
لكن ليان همست: “أنا حاسة إني غريبة في حياتي.”
وعندما عادت لغرفتها، كتبت: “أنا ظل، ولا أعرف لمن أنتمي.”
كان القلق يتسلل إلى روحها ببطء، كسمّ صامت.
(18)
الصفحة 19
آدم لاحظ تغيّرها، فجلس بجانبها في الجامعة.
قال بحنان: “فيه حاجة مستخبية عنك… وأنا حاسس بيها.”
أطرقت رأسها، لم تجرؤ أن تقول كل شيء.
همست: “أبويا مخبي سر… وأنا ضايعة بين خوفي وحبي ليك.”
شد على يدها بقوة: “هنواجه أي سر سوا، أنا مش هسيبك.”
شعرت بقلبها يستسلم لحضوره، لكن عقلها ظل أسير الخوف.
وفي تلك اللحظة، فكرت لأول مرة أن تهرب من كل شيء.
لكن الهروب كان أصعب من البقاء.
فأين يمكن لفتاة صامتة أن تذهب؟
وحين نظرت لعينيه، عرفت أن جوابها الوحيد هو: معه.
(19)
الصفحة 20
في إحدى الأمسيات، دعاها آدم لتجلس معه على ضفة النيل.
كانت الموجات تعكس ضوء القمر، كأنها تبوح بأسرارها.
قال لها: “لو الدنيا كلها وقفت ضدنا، هل هتختاري تبقي معايا؟”
ارتجفت، نظرت إلى الماء بصمت طويل.
أخيرًا، همست: “إنت الشيء الوحيد اللي مخليني عايشة.”
ابتسم، وأمسك يدها، كأن الوعد بينهما وُلد تلك اللحظة.
لكن بعيدًا، كان هناك عينان تراقبهما في الظلام.
عينان تحملان الغضب والانتقام.
وفي طريق العودة، لم تستطع shake الإحساس بأنها مراقبة.
كأن خطواتها تُساق نحو قدر مجهول.
(20)
الصفحة 21
في البيت، واجهها أبوها بسؤال غامض: “إنت عارفة مين أبوك الحقيقي؟”
تجمدت، لم تفهم ماذا يقصد.
ابتسم ابتسامة باردة ثم غادر، تاركًا خلفه حيرة مميتة.
قلبها بدأ يخفق بجنون، كأن حياتها تنهار من تحتها.
ذهبت لنهى تبحث عن إجابة، لكن الأخيرة التزمت الصمت.
قالت لها: “فيه حاجات ما ينفعش تنكشف دلوقتي.”
صرخت ليان: “حتى إنتِ مخبية عني؟!”
انهارت بين يدي صديقتها، كأن العالم كله يتآمر ضدها.
في الليل، كتبت في دفترها: “أنا لا أعرف من أكون.”
وكانت تلك الجملة بداية انهيارها الداخلي.
(21)
الصفحة 22
حين رأت آدم اليوم التالي، ألقت نفسها في عينيه.
قالت له بارتباك: “أنا مش متأكدة إني عارفة مين أهلي.”
تفاجأ، لكنه لم يبتعد عنها.
قال: “مهما كنتِ… إنتِ ليان اللي عرفتها وحبيتها.”
دموعها انسابت بلا توقف، كأنها وجدت حضنها الأول.
أرادت أن تخبره بكل ما تخافه، لكنها خشيت أن يخسره.
في قلبها، ترددت جملة واحدة: “الحب وحده لا يكفي.”
لكنها في عينيه، رأت الأمان الذي حرمت منه سنوات.
واختارت أن تصمت مجددًا، لتؤجل اعترافها.
كأن الصمت صار قدرها الأبدي.
(22)
الصفحة 23
في تلك الليلة، حلمت بأمها لأول مرة منذ زمن.
رأتها تمد يدها إليها، وتقول: “احذري من الحقيقة.”
استيقظت مفزوعة، قلبها يتصبب خوفًا.
كانت تشعر أن كل الطرق تقودها إلى سر واحد.
وفي الجامعة، لاحظ آدم اضطرابها، فسألها.
لكنها هزت رأسها قائلة: “أخاف من الإجابة أكثر من السؤال.”
ابتسم بحزن، وقال: “مهما كان السر، أنا هنا.”
لكن في أعماقها، شعرت أن ذلك الوعد هش أمام العاصفة القادمة.
وكانت غريزتها تصرخ أن النهاية لن تكون سعيدة.
ومع ذلك، تعلقت به كما يغرق يتعلق بقشة.
(23)
الصفحة 24
سليم ازداد صرامة، حتى أنه منعها من لقاء نهى.
قال بحدة: “كفاية أصحاب، انتي محتاجة تلتزمي بالبيت.”
شعرت أنها تختنق، لم يعد لديها سوى آدم.
أرسلت له رسالة قصيرة: “ساعدني أتنفس.”
جاءها الرد فورًا: “أنا هكون هواءك.”
ابتسمت رغم الدموع، كأن قلبها يلتقط أنفاسه مجددًا.
لكنها لم تكن تعرف أن أحدهم يعترض طريق رسائلها.
ففي الظل، كان هناك من يراقبها عن قرب.
شخص يعرف أكثر مما يجب أن يعرف.
وكان ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف كل شيء
24
الصفحة 25
في مساء بارد، خرجت لتلتقي بآدم سرًا.
جلسا معًا يتأملان الشارع الفارغ، والليل يلفهما.
قالت له فجأة: “لو اكتشفت إني مش البنت اللي تظنها… هتسيبني؟”
أمسك وجهها بين يديه، وقال: “أنا مش بحب اسم ولا نسب… أنا بحبك إنتِ.”
انهارت بين ذراعيه باكية، كأنها وجدت ملاذها الأخير.
لكن من بعيد، كان ظل غامض يتربص بهما.
ظل يعرف أن هذا الحب لن يكتمل.
وأن الحقيقة قادمة كعاصفة لا مهرب منها.
حين عادت لبيتها، أحست أن خطواتها مثقلة بالقدر.
وكأن الساعة تقترب من لحظة الانفجار.
(25)
المزيد
الديك الذكي والكنز المخفي
طفلة على أعتاب الغياب
أنا كلمات شاعر وريشة فنان