في ظلال الدمار
بقلم: عبدالعليم حمدالحاج
يتسلل الدمار إلى أعماقنا كنسيم سام يتظاهر بالهدوء، يبدأ بلمسة خفيفة على الأمان الذي بنيناه بجهد السنين، ثم ينتشر كالنار في الهشيم، يحرق الجدران والأحلام والروابط التي كانت تحمينا. نعيش في منتصف عاصفة لا نعرف لها حدودًا، حرب تبتلع كل شيء: الضحكات التي كانت تملأ الليالي، الأمل الذي كان ينير الصباحات، والحياة نفسها التي أصبحت مجرد ظلال تتمايل في الريح.
أجد نفسي معلقًا بين الانهيار والصمود، غارقًا في بحر من الظلام حيث تذوب الأماني كالثلج تحت شمس قاسية. عالم فقد بريقه، بات فيه القلوب كالأنقاض المكدسة، باردة ومتهالكة. كيف يمكن للألم أن ينمو في صمت، بينما تتساقط الأرواح مثل أوراق شجرة ميتة في خريف لا ينتهي؟ أشعر بالجدران تغلق حولي، والأصوات تختفي تدريجيًا، تاركةً صدى الفقدان يتردد في الفراغ.
أحمل في صدري ندوبًا عميقة لا تشفى، وذكريات تطارد كالأشباح في الليالي السوداء. أتساءل كيف يمكن للظلام أن يغرق الضوء بهذه السرعة، وكيف يصبح الصمت سلاحًا أمضى من السيوف والنيران؟ في كل لحظة، أرى الوجوه التي راحت، والأيدي التي امتدت ثم انقطعت، تاركةً يدي معلقة في الهواء البارد.
في هذا العالم المحطم، تُسْقَطُ البيوت كأنها أوراق قديمة، وتُمزَّقُ الأسر كقماش بالٍ تحت المطر الغزير. أبحث عن معنى لوجودي وسط الركام، لكن كلما حفرت أعمق، زاد الغموض والحيرة. هل هناك أذن تسمع همساتنا المكسورة؟ هل هناك عين ترى الدموع التي تسيل في الخفاء، مغطاة بستار من الخوف؟ أشعر بالعدسة تلتقط لحظاتي، لكنها لا تستطيع التقاط الروح التي تتفتت.
أرواحنا تتيه في الفضاء الشاسع، صامتة كالليل الذي لا ينتهي، مظلمة كالستار الذي يغطي السماء. نحن أرواح تتوق إلى السلام الضائع، إلى الأمان الذي سرقته الرياح، إلى الحنان الذي دفن تحت الأنقاض. لكن في هذا الواقع القاسي، أصبحنا مجرد أرقام في قائمة الخسائر، أرواح تائهة في نهر من الدماء والرماد، تبحث عن شاطئ لا يُرَى.
دعوني أغفو في هذا الظلام، دعوني أجد راحة في النسيان. لكن حتى النوم يخدعني، فالأحلام تحمل الألم نفسه، والخوف يتسلل كالظل، واليأس يبني جدرانًا أعلى. سأظل أتساءل في كل لحظة، لماذا يستمر هذا الدمار؟ لماذا تُكْسَرُ القلوب بهذه القسوة؟ لماذا يبدو العالم كلوحة محطمة لا يمكن إصلاحها؟
لا إجابة تأتي، فقط الصمت الذي يزداد ثقلًا، والدمار الذي يتجدد كل فجر، والألم الذي يصبح رفيقًا لا يفارق. هذا هو الواقع الذي نتنفسه، عالم يفقد فيه الحياة بريقها، وتُدَفْنُ الإنسانية تحت طبقات من الرماد. ومع ذلك، في أعماقي، تبقى شرارة صغيرة تسأل: هل سينتهي يومًا هذا الظلام، أم أننا محكومون بالصمت إلى الأبد.






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد