جزيرة الأصداف

Img 20250418 Wa0030

كتبت منال ربيعي

 لم يكن الكسل صفة عابرة في عبدالله، بل كان كأنه قد ابتُلِع بالكامل داخل وحل الكسل حتى صار كسلاً يمشي على قدمين… أو يزحف؛ إذ لم يكن يمشي بنفسه، بل تدفعه أمُّه المسكينة في كل طريق. كانت الأم، حفصة، امرأة نحيلة، بوجهٍ شاحب وعيونٍ أنهكها السهر والدمع، تبيع ما تملك من أجل إطعامه، تُسنده، تُحمّله دعواتها، بينما هو لا يهتم إلا بنوم مريح وبطن ممتلئ.

 

لم يكن ملاذًا لها، ولا سندًا، بل عبئًا أثقل كاهلها. باع كل ما تركه والده – تاجر الملح المتوفى – مقابل نومٍ هادئٍ وراحة لا تنقطع. حتى حين عاقبته أمُّه بالجوع، وتركته دون طعام أو شراب، لم يُبدِ أدنى اكتراث. نام كما ينام حجر في قاع النهر، لا يشعر ولا يهتز.

 

لكن هذه المرة، الأمر مختلف. لم يتبقَّ في البيت إلا بضع دوانق بالكاد تكفي لشراء الملح أو خبزٍ يابس. حفصة، التي لم تنكسر رغم قسوة الحياة، ذهبت إلى البحّار الطيب “السيد رضا”، الذي عُرف بكرمه وأمانته، وتوسلت إليه أن يتاجر بتلك الدوانق الضئيلة. لعلها تنقذ ابنها الكسول من الضياع. كان رضا رجلاً قوي البنية، بلحيةٍ مشذبة وعينين نافذتين، يعرفه كل أهل المدينة بأنه لا يرد محتاجًا.

 

اشترط أن يراه ابنها ويسلّمه المال بيده، ليسجله باسمه، احتياطًا لأي طارئ في البحر. عادت حفصة مسرعة، تدفع ابنها وتستجديه. دموعها اليائسة جذبت آخر ذرات المروءة المتبقية في قلب عبدالله، فنهض ببطء، التهم آخر كسرة خبزٍ في البيت، وانتعل حذاءه القديم ومشى معها نحو المرفأ.

 

في الميناء، وقف البحّار مع التجّار. قدّمت حفصة ابنها، فعرفه رضا، وسارت السفينة على بركة الله، تتبعها دعوات الأمهات وآمال المحتاجين. كان رضا يطوف البحار، يجلب الخزف من الصين، والحرير من الهند، وجوز الهند من الجزر البعيدة. لم يكن ينسى أحدًا، يعيد البضائع والأرباح لأهل المدينة كلٌّ حسب رزقه.

 

رحلته هذه المرة كانت عجيبة. عبر بحارًا لم يعرفها من قبل، ورأى أعاجيب لا تُوصف. لكنه في طريق العودة، غضب البحر، وهاج الموج، وراح رضا يعد البضائع والمال. فجأة تذكّر دوانق حفصة… لقد نسيها تمامًا! شعر بوخز ضمير، ورفع يديه يدعو الله أن يُسلّمه، ليشتري بها ما ينفعها.

 

قادهم الموج نحو جزيرة غريبة، مغطاة بالأصداف اللامعة. على الشاطئ، رجال يتحدثون لغة لا تشبه لغات البشر، يتبادلون السلع مع البحّارة. وهناك، التقى رضا برجل يبيع قردًا صغيرًا غريب الهيئة، يحمل صندوقًا خشبيًا معلقًا في رقبته. بدا القرد ذكيًّا، يحمل الصندوق بين يديه كأنه كنز. فاوضه، فبادله ببعض ثمار جوز الهند.

 

سحب القرد وأخذه إلى السفينة… دون أن يعلم أن هذا القرد وصندوقه، سيكونان بداية الحكاية. يتبع

عن المؤلف