كتبت: ملاك عاطف
“كل الذين يكتمون عواطفهم بإتقان، ينفجرون كالسيل إذا باحوا”
يحيلون تراب صمتهم إلى وحلٍ يلطّخ ثباتهم المفتعل، ويمرّون على زرع كتمانهم فيهلكونه، وينكبّون على أنهار الفضفضة يشربون منها ارتياحًا حتّى تجفّ. ثمّ يعودون ببطونِ بوحٍ منتفخةٍ بتنهيدات النّدم، وتلاحقهم أشباح عواطفهم بلومٍ يؤرّق مضجع هدوء بالَهم. كلّ الّذين يتقنون كتمان عواطفهم، ينفجرون في وجه الحياة ويجلدون ذات ظروفها، فلا تألم ولا تحزن، بل تتابع سيرها وتترك لجلود ثرثرتهم ندوب صيات العتاب، وترفع لهم رايات دروسها؛ كي يتعلّموها، وإلّا فيظلّووا تلاميذ أخطائهم إلى الأبد!
كلّ الذين يتقنون كتم عواطفهم، لو أنهم اهتدوْا إلى صراط الورق، لَما صارت أحاديثهم رهن النّشر على حبال زلّات الألسن. ولو أنّهم أوَوْا إلى الخربشات، لأمنوا مكرَ وسوسات تهيّؤاتهم. ولو لاذوا بشتاتهم إلى ظلّ ركعتين، لسوّروا صورهم بعصمةٍ تصدّ عنهم ريح همزات النّاس وتذبذبهم.
كلّ الّذين انفجروا كالسّيل، لم يحسبوا حسابًا لتلاعب الأفكار في الأذهان، ولم تتعدّ أقاصي أمانيّهم حدود رغبتهم الملحّة في التّخلّص من ضيق صدورهم.
كلّ الّذين باحوا يحملون في قلوبهم زيف أملٍ واحد مشترك، ويتعطّشون إلى تلك الأمنية الشهيرة المستحيلة رغم علمهم بانحباسها في زنازين ضرب الخيال القاصي عن الحقيقة، ولكنّهم يخدّرون أصابع انفجارهم بها كلّما عضّوا عليها بنواجذ الندم؛ فإذا آلمتهم حسرةُ التّسرّع، أو حاسبهم الكبت، يتخذونها لهم سلاحًا ويصيحون هاتفين بها بملءِ أفواههم: يا ليت الزّمن يعود للوراء؛ فنبقي على كتماننا ونحفظه بقسم التّمنّع عن الحديث.
“فأين المنفعةُ من ندمٍ يجعل الماضي ضعفًا، ويذر الحاضر مستهلَكًا؟”
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية