بقلمي_سلسبيل حسين_
في زمن الأوهام والأكاذيب، حيث تتداخل الحقائق وتتشابك الأكاذيب، نجد أنفسنا محاطين بظلال من الخداع والظن، لا نعلم أين الحقيقة وأين الزيف. لقد أصبحت الأكاذيب جزءًا لا يتجزأ من يومنا، تُزين بالوعود الزائفة وتُحاكى بالآمال المغشوشة، حتى باتت الحقيقة في هذا الزمن عبئًا ثقيلًا على النفس، لا يتقبلها إلا من كان ذا قلبٍ يقظ وعينٍ بصيرة.
والأغرب أن هذه الأكاذيب لم تقتصر على كلمات فارغة، بل تجاوزتها لتغزو أفعالنا وتحدد مساراتنا، فكيف لمجتمعٍ غارق في وهمٍ أن يبني مستقبلاً حقيقيًا؟ كيف لنا أن نعيش في بحرٍ من الضباب ونظن أننا نصل إلى شاطئ الأمان؟ إن الأكاذيب قد أصبحت هي اللغة التي نستخدمها لتبرير أخطائنا، والتهرب من واقعنا، والمراوغة عن مواجهاتنا مع أنفسنا. قد تبدو هذه الأكاذيب في البداية ملجأً للأمان، لكنها سرعان ما تتحول إلى سجون تكبلنا بأغلال من وهمٍ يتسرب إلى كل جزء في حياتنا.
وفي هذا الزمان، لا يقتصر تأثير الأكاذيب على من حولنا فقط، بل تتسرب إلى داخلنا أيضًا، فتؤثر في تفكيرنا ومشاعرنا وأحلامنا. فينقلب الحال، ويصبح العيش بصدق شاذًا أو مرفوضًا، بينما تعلو أصوات التزوير وتُبنى الأساطير حول ما هو غير حقيقي. وتبدأ أقدارنا في التشكُّل وفق تجارب الآخرين، دون أن نملك من أمرنا شيئًا. تُصبح قراراتنا رهينةً لآراء الآخرين ووجهات نظرهم المرسومة على مقاييس لا تتناسب مع حقيقتنا ولا مع واقعنا.
تجارب الآخرين التي يفرضونها علينا وتُغلف بالتصورات المسبقة، تتحول إلى قيود تُسلبنا إرادتنا. بدلًا من أن نصنع تجاربنا بأنفسنا، نعيش على تجارب غيرنا، نتبع خطواتهم ونقلد أفكارهم دون أن ندرك أننا بذلك نغتال هويتنا ونخنق أصواتنا الحقيقية. وفي ظل هذا الواقع المُعتم، نسينا أن العيش الحقيقي هو أن نغمس أيدينا في الحقيقة المرة، أن نواجه الواقع بكل شجاعةٍ وصدق، وأن نصنع أقدارنا بأنفسنا، ولو كانت الطريق مليئة بالعثرات.
إن الحقيقة التي يجب أن نبحث عنها ليست حقيقة الآخرين، بل الحقيقة التي تتنفس في أعماقنا، الحقيقة التي تنبع من تجربتنا الخاصة، والتي هي وحدها من تملك أن تحدد مصيرنا. لا يهم كم كان العالم من حولنا غارقًا في الأوهام، فالمسار الوحيد الذي يمكن أن يُنير طريقنا هو أن نكون نحن، بكل ما تحمله كلماتنا وأفعالنا من صدقٍ وإيمانٍ بالقيم التي لا تتغير مع الزمان.
فيا أبناء الزمن الضائع بين الوهم والحقيقة، ارفعوا أصواتكم ضد الأكاذيب، وافتحوا أعينكم على واقعكم، كي لا تظلوا سائرين في طريقٍ قد لا يعود بكم إلى حيث بدأت الخطوات الأولى نحو حلمٍ جميل، حلمٍ أن تعيشوا حياتكم أنتم، لا أن تعيشوا حياة من صنع الآخر.
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات