سوباك حارس النيل

Img 20250108 Wa0036

كتبت منال ربيعي

 

كانت الليلة مشحونة بالرهبة، والظلام يغمر ضفاف النيل كما لو أن السماء قد سقطت على الأرض. اختفى ضوء القمر خلف السحب، ولم يكن يُسمع سوى همسات المياه وهي تنساب ببطء، تحكي قصصًا قديمة عن قوى خفية تسكن الأعماق.

 

على ضفاف النهر، وقف الفلاحون في صمت وهم يراقبون مياه النيل ترتفع ببطء. كانوا يخشون الفيضان، لكنهم يعلمون أن غضب النهر يحمل في طياته حياة الأرض وخصوبتها. قرب شجرة نخيل عتيقة، انحنى طفل صغير على ركبتيه، يضع أمامه سلة صغيرة من التمر وزهور اللوتس. كان وجهه شاحبًا، لكنه رفع عينيه إلى السماء وقال:

“يا سوبك، حامي النيل وسيد المياه، تقبّل قرابيننا واهدأ غضبك.”

 

لم تمر سوى لحظات حتى بدأت الرياح تعصف، والمياه ترتجف كما لو أن النهر نفسه يستجيب لدعاء الطفل. من بين الأمواج، ظهر جسد ضخم له رأس تمساح وعينان تقدحان شررًا. كان هذا سوبك، الإله الذي يخشاه الجميع، لكنه في الوقت ذاته الأمل الوحيد للبقاء.

 

تقدّم سوبك بخطوات ثقيلة فوق المياه، ينظر إلى الطفل الصغير بنظرة حملت في طياتها القوة والطمأنينة. همس بصوت عميق:

“لا تخف، أيها الصغير. أنا هنا لأعيد النظام. لا حياة بدون نيل، ولا خصوبة بدون غضب.”

 

في تلك اللحظة، اهتزت السماء، وظهرت الأفعى العملاقة أبو فيس، رمز الفوضى والخراب، تزحف من ظلال الأشجار. انطلقت نحو النهر تريد ابتلاع المياه المقدسة، لكن سوبك لم يتراجع. رفع يده القوية، واندفع نحوها بصوت كهدير الرعد. اشتعلت المعركة بينهما، المياه تنفجر من كل جانب، والسماء تضيء بوميض البرق.

 

كان الفلاحون يراقبون المشهد من بعيد، يرتجفون خوفًا، لكن الطفل الصغير ظل ثابتًا في مكانه. رأى سوبك وهو ينقض بمخالبه على أبو فيس، يمزقها ويعيد الظلام إلى أعماق النهر.

 

عندما انتهت المعركة، عاد النهر هادئًا، وعاد سوبك إلى وقاره. التفت نحو الطفل وقال:

“لقد رأيت خوف البشر، لكنني أرى أيضًا إيمانهم. تذكروا، النهر يحمل الحياة والموت، وأنا الحارس بينهما.”

 

ثم غاب في الأعماق، تاركًا خلفه النيل يفيض بهدوء، يحمل الخير إلى الحقول. ومنذ ذلك اليوم، أصبح سوبك ليس فقط رمزًا للقوة، بل أيضًا للأمل.

عن المؤلف

Exit mobile version

Please allow ads on our site

Looks like you're using an ad blocker. Please support us by disabling these ad blocker.