9 فبراير، 2025

لعنـــــــة الحروف الهاربـــة

Img 20250105 Wa0060

 

لِسُهيلة أحمد عامر .

في إحدى القرى النائية، كانت هناك مكتبة قديمة مهجورة، تطلّ بنوافذها المغبرة وأبوابها الخشبية المتآكلة على شارع ضيق تحيط به الأشجار الكثيفة. كان الجميع يتجنب الاقتراب منها، إذ يقال إن من يدخلها يواجه مصيرًا مجهولًا.

 

ليلى، فتاة جامعية في العشرين من عمرها، عاشقة للكتب والبحث، كانت تبحث عن كتاب نادر يساعدها في إنهاء مشروع تخرجها. بعد أيام من البحث، علمت أن النسخة الوحيدة من هذا الكتاب موجودة في المكتبة المهجورة في قريتها. رغم الخوف الذي انتابها من القصص التي سمعتها، قررت أن تغامر.

 

حين أخبرت ليلى شقيقها سامي بخطتها، أصرّ على مرافقتها. سامي، على عكسها، كان شغوفًا بالمغامرات وخوض المخاطر، ولم يخفِ حماسته لاستكشاف المكان الذي طالما أُحاط بالغموض.

 

عندما وصلا إلى المكتبة، بدت أكثر رهبة مما تخيلا. كانت واجهتها مغطاة باللبلاب، والباب الخشبي مغلقًا بإحكام كأنه يحرس أسرارًا قديمة. دفع سامي الباب بقوة، وأصدر صريرًا مرعبًا اخترق صمت الغابة المحيطة. بدا الهواء في الداخل ثقيلًا، والرائحة مزيجًا من العفن والغبار.

 

بين الرفوف المتهالكة، كانت ليلى تبحث بتركيز، تمسح العناوين بعينيها المتلهفتين. أما سامي، فقد استسلم لفضوله وأخذ يجوب المكان بحذر. أثناء تفقده، لمح كتابًا صغيرًا على أحد الرفوف العالية. كان مغلفًا بجلد بني قديم ونقوش غامضة حفرت عليه. مد يده وأمسكه، لكن بمجرد أن فتحه، انبعث منه وهج غريب، وبدأت المكتبة تهتز بعنف.

 

تطايرت الحروف من صفحات الكتاب كأنها كائنات حية، تسبح في الهواء حولهما. صرخت ليلى في سامي أن يغلق الكتاب، لكنه كان مذهولًا غير قادر على الحركة. فجأة، ظهر أمامهما رجل عجوز يرتدي عباءة داكنة وعيناه تشعان بغموض عميق.

 

“ما الذي فعلتماه؟” قال بصوت أجش. “لقد أطلقتم اللعنة. هذه المكتبة ليست مكانًا عاديًا، بل سجن للأرواح القديمة التي تسكن بين الحروف. عليكم إعادتها قبل شروق الشمس، وإلا ستبقيان هنا للأبد.”

 

كلمات الرجل أصابت ليلى وسامي بالذهول. شرح لهما أن الحروف المتطايرة يجب أن تعود إلى صفحاتها، لكن الأمر ليس سهلاً. المكتبة مليئة بالأفخاخ، وكل حرف مختبئ في مكان مختلف، محروس بألغاز وصعوبات.

 

بدأت رحلتهما في البحث عن الحروف. كان الوقت يمر بسرعة، وكل دقيقة تقربهما من الفجر تزيد من صعوبة المهمة. بينما كانا يعيدان الحروف واحدًا تلو الآخر، كانت المكتبة تتحول من حولهما. الجدران بدأت تُظهر نقوشًا قديمة تتحرك، والأصوات الغريبة تزداد ارتفاعًا.

 

عندما وصل الفجر، كان الحرف الأخير لا يزال مفقودًا. عثرا عليه في النهاية داخل كتاب ضخم مغلق بسلسلة فضية. كانت السلسلة قوية للغاية، واستغرق الأمر جهدًا مشتركًا لكسرها. بمجرد أن أعادا الحرف الأخير، ساد الصمت المكتبة.

 

اختفى الرجل العجوز فجأة، وعادت المكتبة إلى حالتها الطبيعية. وجدت ليلى الكتاب الذي كانت تبحث عنه أخيرًا، لكنه لم يكن كما توقعت. عندما فتحته، اكتشفت أن صفحاته تحكي ما حدث لهما بالتفصيل، وكأنه كُتب خصيصًا في تلك اللحظة.

 

غادرا المكتبة بسرعة، وعندما نظرا خلفهما، لم يجداها. اختفت كأنها لم تكن موجودة. عاد الاثنان إلى المنزل مرهقين، وأقسم كل منهما ألا يتحدث عن هذه الليلة لأي أحد.

 

لكن ليلى لم تستطع التخلص من شعور غريب بأنها أصبحت جزءًا من سر لم تفهمه بعد، سر أكبر من الكلمات وأبعد من الزمن.

 

#إبداعات-سهيلة-الأدبية.

عن المؤلف