10 فبراير، 2025

مــهما حدث، لن يحبطنا حديثهم

Img 20250105 Wa0061

 

`الكاتبة: سلسبيل حسين` 

 

في غمرةِ هذه الحياةِ اليوميةِ، تجدُ نفسك غارقًا في دوامةٍ من التحدياتِ التي لا يراها أحدٌ سوى قلبك، وأنت وحيدٌ مع همومك، تدفعُ ثمنًا باهظًا مقابلَ كلِّ خطوةٍ تخطوها. قد يكونُ السهرُ رفيقك الدائمَ، تلك الليالي التي لا تجدُ فيها الراحة، ولا تستطيعُ أن تميزَ فيها بين الدقائقِ والساعاتِ. ساعاتك تتسابقُ والأيامُ تمرُّ كأنها خيطٌ رفيعٌ تراهُ يتلاشى بين أصابعك. ومع كلِّ صفحةٍ تفتحُها في كتابك، يتبعُها شعورٌ مزدوجٌ: أملٌ ضئيلٌ بالحفظ، وعذابٌ لا يوصفُ بنسيانِ ما حفظتهُ في وقتٍ قريبٍ جدًا. تكررُ الكلماتِ والمعلوماتِ مرارًا، لكنك تجدُ نفسك تسقطُ في ذاتِ الحفرةِ مرةً تلو الأخرى، وحينما ترى النتائج، لا تجدُ ما يوازي الجهدَ الذي بذلته.

 

ويأتي النقدُ من كل حدبٍ وصوبٍ، أولئك الذين لم يرافقوك في تلك الليالي الطويلةِ التي قضيتها وحدك بين الكتابِ، لا يعرفون كيف كانت ساعاتك مليئةً بالقلقِ والتوترِ، ولا كيف كان عقلك ينهكُ من كثرةِ التفكيرِ ومحاولةِ استيعابِ كلِّ شيءٍ، ولا كيف كان قلبك يخفقُ بشدةٍ كلما اقتربَ الامتحانُ. يظنون أن الجهدَ الذي تبذلهُ ليس كافيًا، وأنك لو كنتَ أكثرَ اجتهادًا أو أكثرَ ذكاءً، لما كانت الأمورُ كما هي الآن. كلهم يضعون أصابعهم على الجرحِ، يلومونك على نتيجتك، ولا يرون أنك كنتَ تسابقُ الزمنَ في صمتٍ، وأنك كنتَ تعيشُ في معركةٍ مع نفسك، بين الطموحِ والإرهاقِ، بين الأملِ والهزيمةِ.

 

وعندما تفشلُ، تجدُ نفسك وحيدًا، كأن العالمَ بأسرهِ قد اختفى من حولك. لا أحد يمدُّ لك يدَ العونِ، ولا أحد يفهم مقدارَ الحزنِ الذي يهاجمك. حينما تحتاجُ لمن يقف بجانبك، لتكونَ معك في تلك اللحظاتِ التي تحاولُ فيها أن تلتقطَ أنفاسك وسط بحرٍ من الأفكارِ والآلامِ، لا تجدُ أحدًا. الجميعُ يكتفي بإصدارِ أحكامهم من بعيدٍ، يتحدثون عنك وكأنهم يعرفون كلَّ شيءٍ، وكأنهم كانوا يشاركونك في كلِّ لحظةٍ من معاناتك.

 

هم يرون الأمورَ بمنظورهم الضيقِ، ينظرون إلى النتيجةِ فقط، يلمسون السطحَ ولا يغوصون في الأعماقِ. لا يعرفون كيف قضيتَ الساعاتِ المتواصلةَ تدرسُ في صمتٍ، كيف كان كلُّ همك أن تنجحَ وتحققَ أفضلَ النتائجِ، وأن كلَّ لحظةِ فشلٍ كانت بمثابةِ سهمٍ غادرٍ في قلبك، يتركك مفجوعًا بين ألمك وأحلامك المكسورةِ. لا أحد يعلم كم من المراتِ التي دخلت فيها إلى غرفةِ الدراسةِ وأنت تحملُ في قلبك آلافَ الأسئلةِ التي لا تجدُ لها إجابةً، ولا أحد يرى كيف أنك أحيانًا كنت تجلسُ، تبكي في صمتٍ، وأنت تشعرُ بأنك أضعفُ مما يجبُ أن تكون، ولكنك تستمرُّ رغمَ كلِّ شيءٍ.

 

وعندما تظهرُ النتيجةُ، ينهالُ عليك اللومُ. “أين اجتهادك؟” يسألونك، “لماذا لم تحقق ما يجبُ؟” كأنهم يعتقدون أن النجاحَ يجبُ أن يأتيَ دونَ أن يكون هنالك ثمنٌ لدفعه، كأنهم يظنون أن الدراسةَ هي مجردُ عمليةٍ يمكن اختصارُها في لحظاتٍ من الذكاءِ والحظِ، وليس عملًا مستمرًا من التعبِ والصبرِ والمثابرةِ. يضعون أحكامهم ويشيرون بأصابعهم إليك، لا يدرون أن تلك الأصابعَ التي تلوحُ باللومِ قد تكونُ هي نفسها التي لن تكونَ هناك حينما تحتاجُ للدفءِ في لحظاتِ ضعفك، وحينما تفشلُ تجدُ نفسك عائدًا إلى الظلامِ وحدك.

 

تصفونك بالإهمالِ وكأنك لم تكافحْ أو تجتهدْ، وكأن دراستك كانت مجردَ تسليةٍ. لا يفقهُ أحدهم كم من الأحلامِ التي تركتها خلفك من أجل أن تركز في دراستك، كم من اللحظاتِ التي ضحيت فيها بحياتك الاجتماعيةِ والراحةِ النفسيةِ من أجل الحصولِ على علامةٍ قد لا تعكسُ أبدًا ما بذلته من جهدٍ. يلومونك على شيءٍ ليس بيدك، لا يدركون أن معدلك الدراسي ليس هو فقط ما يحدد من أنت، بل هو مجرد رقمٍ في بحرٍ من التجاربِ والتحدياتِ التي مررتَ بها.

 

وفي خضمِّ هذا الظلامِ، تجدُ نفسك في دوامةٍ من التفكيرِ، من الحزنِ والقلقِ. لماذا لم أنجحْ؟ هل أنا حقًا عاجزٌ؟ هل كان يجبُ أن أكونَ أفضل؟ هذه الأسئلة تتقافزُ في رأسك دونَ توقفٍ، بينما تعرفُ في أعماقك أنك قد بذلتَ كل ما في وسعك، وأنك لا زلتَ تقفُ على قدميك رغمَ كل ما مررتَ به. وعندما تجدُ نفسك غارقًا في بحرٍ من الأفكارِ السلبيةِ، عليك أن تذكرَ نفسك أن ما يراه الآخرون ليس هو الحقيقةَ الكاملةَ. هم لم يكونوا معك في تلك الليالي التي قضيتها وحدك، وهم لم يروا المعركةَ الداخليةَ التي خضتها بين الطموحِ والضعفِ.

 

أنت من قررَ أن تواصل السيرَ رغمَ التعبِ، رغمَ الخيباتِ، رغمَ الدموعِ. ومهما كانت النتيجةُ، فإن ما يهمُ هو أنك لم تستسلمْ، وأنك استمررتَ في السعي. لا تدعْ أحدًا يحدد لك ما يجبُ أن تكون عليه، لأنك أنت من يعيشُ هذه التجربةَ، وأنت من يعرفُ كم هو صعبٌ أن تواصلَ العيشَ في ظلِّ ضغوطاتٍ لا تنتهي، وكأنك يجبُ أن تكونَ مثالياً طوالَ الوقتِ.

 

*”مــهما حدث، لن يحبطنا حديثهم.”*

عن المؤلف