كتبت: ملاك عاطف
قبلَ بضعةِ أشهُرٍ كتبت نصًّا تحت عنوان “أتمنّى أن أرى”، وفيه أطلقت العنانَ لأمنياتي؛ كي تحلّقَ في سماوات المستحيل على بساط سجيّتها، وتمتطي كبواتِ النّجومِ متقافزةً بينَ أنوارِ أثرِ الدّعاء الطّيّب، يومها تمنّيتُ بلا حدّ، ولا خوف، ولا يأس ولا ثقل، رغمَ أنّ نفسي تقرأُ ما أبرمهُ القدَر على ألواح قرارتها باستمرار، وتعلمُ يقينًا أنّ نصيبها لن يجدَ لهُ مستقرًّا؛ إلّا على أرائك التّسليم، واليومَ أحاولُ صياغةَ توأمًا لنصّي ذاك، لعلّهُ يحاكي نثركَ المتألّمَ بلطفٍ دونَ أن يجرحَ فحوى أدبكَ المتعب؛
لأنّي لا أرى، ضمنت الجنّة، وجرت من تحتِ روحي أنهارُ حسٍّ جارية، وربحتُ أثمنَ هديّة من المولى، وقد صبَّها في أذنيّ كما الغدير، هادئةً قويّةً رفيعة، فيها من الدّقة والاستشعار ما فيها، إنّها حاسّةُ السّمع؛ لأنّي لا أرى، تمكّنتُ -بفضله سبحانه- من تسلّقِ قمّةِ التحليل حيثُ أعلى وأعظم نقطةٍ في التّركيز؛ لأنّي لا أرى، جعلتُ من قلبي بوصلةً ودليلًا، وكلّما اشتاقَ إلى رخاء عيني المنكمشِ وراء ستائر حكمة الباري الخفيّة، هدّأتُهُ بسجدةٍ، أو حمدٍ، أو دعاء؛ لأنّي لا أرى، ترعرعتُ في مدرسة الإعاقة، وفيها تعلّمتُ أن أسقيَ المجتمعَ بالوعي، وأظلّهُ بالصّبر عليه، وأقابل ردود أفعاله الغريبةِ الجارحةِ أحيانًا بالتّجاهلِ والتّناسي. فيها قرأتُ أنّ الكمالَ لله وحده، وتحصّنتُ بحديث “يؤجرُ المرء رغم أنفه”، ولذتُ إليّ، إلى قيعان بحور نفسي، حيثُ أقدّرني، وأسمعني، وأحتويني، وأراني قويّةً وقادرةً على خلقِ عوالمَ لا متناهيةً من العطاء والإبداع؛ كلّنا متعبون من ثوب الإعاقة الضّيقِ على أفئدتنا، وكلّنا نؤذى بقصدٍ أحيانًا، وبجهلٍ وسذاجةٍ أحايين؛ لكنّ العاقبةَ لنا، والله المستعان، والحمد لله رب العالمين، الحمد له حتّى يبلغَ رضاهُ عنّا سقفَ سدرةِ المنتهى.
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات