طفولة موؤودة

Img 20241222 Wa0088

كتبت: زينب إبراهيم  

في قرى تتسم بالجهل والضياع توجد عائلات قد يبتاعون أطفالهم في سبيل جني المال؛ حتى وإن كان على حساب حياتهم ويعتقدون أن ذلك يصب في مصلحتهم، ولكنهم لا يدرون أن بتلك الطريقة الشجعة يقتلون صباهم وأحلامهم البريئة التي تولد بداخلهم منذ قدومه إلى الحياة.

الفتاة الصغيرة ذات الضفائر الجميلة تلهو بعروستها التي أحضرتها لها والدتها منذ فترة وهي لا تعلم ما الذي يجري في المنزل من بزوغ الفجر فقررت الذهاب لسؤال والدتها علها تجيب عما يحدث: أمي ماذا يحدث في المنزل؟ 

كان البيت العمل فيه يقام على قدم وساق للإستعداد لمناسبة غامضة وسعيدة، فأجابت الأم ببسمة على محياها: ابنتي لدينا اليوم حفلة زفاف؛ لكن تعجبت البنت من كون أنه لا أحد في المنزل سواها ووالديها. 

قالت ببراءة: أمي من الذي سيتزوج؟ 

أجابتها الأم: أنتِ منذ صغرك ألا تحلمين أن ترتدي فستان الزفاف مثل الفتيات في قريتنا يا عزيزتي؟ 

الفتاة في تعجب قالت: نعم أمي، لكن بعدما أكبر؛ لأنني لا زلت طفلة صغيرة وهن أيضًا مثلي لا زلن صغيرات على ذلك الأمر، فكانت إجابة والدتها مقنعة بعض الشيء لطفلة عمرها لا يتجاوز الخمسة عشر سنوات: ابنتي إن الزفاف لا يأتي هكذا إلا بموعد محدد وأنتِ جاء وقت عرسك، لكنها لم تقبل بحديثها بامتعاض طفولية قالت: أنا لا زال أمامي الوقت الكثير حتى ذلك الحين أمي، لدي مدرسة علي انهاءها، لدي جامعة علي الالتحاق بها، لدي مهمة الطب التي أحلم أن أكون من الحائزين عليها أمي لا تفعلوا بي ذلك؛ لأن هذا الارتباط قد يفسد ما أحلم به طوال حياتي، لكن الأم لا يريق لها حديث ابنتها وقالت: هيا عزيزتي اذهبي إلى غرفتك لترتاحي قليلاً في المساء لدينا عملاً كثير بشأنك أنتِ اليوم عروس متوجة للحج وذكرت اسمه ورغم صغر سنها علمت أنه أكبر من والدها بعمر جدها تقريبًا تعجبت البنت الصغيرة ذاهبة بسرعة إلى غرفتها وارتدت حذاءها تنوي على اخبار جارتها التي تحبها للغاية بشأن هذا الأمر إلى أن تغيثها من جشع والديها والظلم الذي سيقع عليها منهم.

جارتها ابتسمت حين رؤيتها وبادرت بعنقها قائلة: مرحبًا صغيرتي كيف حالكِ؟ لماذا يبدو الحزن بادي على وجهك الجميل؟ 

الفتاة: عمتي الحمدلله، لكن والدتي أخبرتني أن اليوم سيكون عرسي، هل أنا مثل لعبتي عليها ارتداء الفستان ووضع مساحيق التجميل بجانب الطرحة البيضاء التي تتوجه بها؟

المرأة بغضب مكتوم لنفسها قالت: تصر والدتك على التضحية بفلذة كبدها من أجل بعض النقود.

الصغيرة تعجبت من صمتها وظنت أنها ستصرخ بها كما يفعل والديها، فلاذت بالهرب وقبل أن تكمل ذلك امسكتها من يديها الصغيرين مهدئة إياها: إلى أين تذهبين يا صغيرتي؟ لن أعنفك لا تقلقين هل أنتِ راضية عما سيجري لكِ؟ 

الصغيرة بعبوس: لا، لكن أمي لا تجيب علي حينما أخبرتها أنني أرفض الارتباط برجل في سن جدي وأيضًا أحبذ تكملة دراستي كما سمعت منكِ؛ أما هي قالت لي ” اذهبي إلى غرفتك لترتاحي قليلاً في المساء لدينا عملاً كثير بشأنك أنتِ اليوم عروس متوجة للحج وذكرت اسمه”. 

الجارة: هل أنتِ لا تحبين ذلك الرجل؟ 

الطفلة: ليس كذلك لكني لا زلت طفلة ألهو مع من هم في عمري وأمرح ما شأني بأمور الزواج تلك؟ 

الجارة: وماذا ستفعلين؟ هل تنوين الهرب من والديك وعدم إتمام تلك الزيجة؟ 

لمعت عين الطفلة مفكرة بأمر الانبثاق ذلك، حتى أنها أخبرت جارتهم عن كيفية فعل ذلك دون العقاب من والدتها أو ضرب والدها لها.

الجارة: أليس لديك عم يقطن في الإسكندرية يمكنك الذهاب إليه دون الخضوع لأمر بيعك؟ 

الفتاة: لا أعلم رقم هاتفه وأمي لن تتركني أخرج إلى الشارع مرة أخرى إن علمت بأمر هروبي.

الجارة: دعك من امك الآن اذهبي بسرعة وأجلبي رقمه وأنا أهاتفه من أجلك.

احتضنت الفتاة الصغيرة جارتهم وهي تدعو بداخلها أن تنجح تلك الخطة وذهبت مسرعة في البحث عن الدفتر الذي يدون والدها فيه الارقام وظلت تبحث عن رقم عمها إلى أن وجدته وكتبته في ورقة عائدة من جديد إلى جارتها دون معرفة أحد بذلك.

شردت الجارة في حديثها مع والدة الطفلة منذ فترة حينما أخبرتها بخطبة ابنتها لذلك الرجل المسن وزواجهما بعد عدة أشهر من اليوم.

منذ 6 أشهر….

الأم: ألن تباركين لي يا جارتي العزيزة؟ 

الجارة: على ماذا خيرًا؟

الأم: ابنتي الجميلة ذات العيون الغانية تمت خطبتها لعمدة البلد اليوم.

الجارة باستنكار: ماذا تقولين؟ صغيرتك ذات الخمسة عشر أعوام تتزوج من رجل مسن أنتِ تمزحين أليس كذلك؟

الأم بغضب مكتوم: ولماذا يا حبيبتي أمزح معكِ؟ نعم بالفعل تمت الخطبة وبعد فترة الزفاف وأنا أدعوك إليه أم تريدين أن أتركها بجواري إلى أن يفوتها قطر الزواج مثلكِ؟ 

ابتعلت الجارة تلك الإهانة وقالت: لا أعي ذلك؛ إنما قصدت صغر سنها وهو رجل كبير يكبرها بسنوات عدة لا تلاحظين الفرق بينهما، فحرام عليكِ التفريط بصغيرتك فلذة كبدك إنها لا زالت طفلة ولا تتحمل مسؤولية البيت والزواج وما شابه.

الأم: دعكِ من هذا الهراء إنه رزق لابنتي لا أضيعه مهما حدث وبعد ذلك هو رجلاً سري وهي ستحيا معه في رخاء لا تحلم به.

الجارة: إنني أسدي لكِ النصيحة وأنتِ لست أهلاً بها، لكن هذا ما يقع على عاتقي.

الأم: حسنًا أحمدي الله أنها في المدرسة ولم تستمع إلى تلك التراهات التي تلقينها في البيت.

الجارة: أليس من الصعب ترك المدرسة والزواج في سنها فكري بالأمر مجددًا لأجلها.

الأم: مدرستها لن تجدي نفعًا لها مثل ارتباطها بذلك الرجل المقتدر.

الجارة: قد عميت أعينك بلعنة النقود الزائفة ولن يجدي نفعًا الحديث معكِ بلا فائدة وداعًا.

الأم: صحبتك السلامة يا حبيبتي.

فاقت من شرودها على صوت الطفلة وهي تقول: عمتي ها هو الرقم أرجوكِ اتصلي به حتى أسافر إليه قبل أن يعلم أحد بوجودي هنا.

الجارة: حسنًا وقامت بالاتصال به.

عنها: مرحبًا من معي؟ 

الجارة: أنا أدعو ليلي جارة شقيقك لقد حدث أمرًا ويتوجب علي اخبارك به.

عمها: ماذا هناك يا سيدة ليلي؟

قصت له الجارة ما حدث وقدوم الطفلة إليها حتى تستنجد بها فغضب لأنه يرفض تلك العادات والتقاليد السخيفة من نوعها والمميتة في آن واحد.

عمها: أود ابنة أخي غدًا إنني مسافر خارج البلاد على الساعة الرابعة عصرًا.

ليلي: وأنا أيضًا في طريقي إلى القاهرة اليوم وبالطبع سأخذها معي إن شاء اللّٰه غدًا قبل سفرك تكون لديك.

عمها: سلمتِ سيدة ليلي لولا دعمك ووقفك بجوار ابنة أخي كانت ستباع إلى عمدة البلد.

ليلي: لا تقل هكذا إنها في مكانة ابنتي ولا أقبل بمكروه لها أو تتزوج من رجل مسن في عمرها الصغير.

أغلقت مع عم الفتاة واكملت تحضير ما ينقصها للسفر هي والصغيرة اتصلت على تاكسي لايصالهما إلى محطة القطار قبل معرفة عائلتها بأمرهما بعد ركوبهما القطار وتحركه كانت الفتاة الصغيرة تلعب بهاتف جارتهما إلى أن صدح شاشته باتصال من والدتها شهقت إثر قراءتها للإسم مما أثار دهشتها.

الجارة: ماذا هناك يا ابنتي؟ 

الفتاة: أمي إنها تتصل يا الهي لقد كشفنا.

الجارة: لا تقلقي سأجيب عليه، لكن لا تصدري صوتًا.

والدتها: مرحبًا عزيزتي كيف حالكِ؟

الجارة: الحمدلله دائمًا وأبدًا، وأنتِ؟

والدتها: كنت بخير إلى أن اختفت ابنتي الصغيرة.

الجارة متصنعة الدهشة: كيف حدث ذلك؟

والدتها: لم أرها منذ أن حدثتها عن الزواج.

الجارة: منذ الصباح إنني في محطة القطار والآن مسافرة إلى شقيقتي آنى لي برؤيتها قد تكون عند أحد الجيران تلهو مع الصغار.

والدتها: عساه خيرًا صحبتك السلامة يا حبيبتي وأغلقت معها.

الفتاة بخوف طفيف: هل مر الأمر بسلام؟

الجارة حتى تطمئنها شدت على يديها قائلة بحنو: كل مر سيمر يا عزيزتي لا تقلقي ولكن عليكِ أن تفكرين جيدًا في مستقبلك وألا تقبلين بالقهر أو الانصياع لأوامر أحد إن لم تكوني على يقين بأن هذا الموضوع يناسبك وستشعرين بالراحة.

الفتاة: هل سيتمكنون من اللحاق بي؟ 

الجارة: لا تقلقي قلت لكِ مع عمك ستكونين بخير وأمان.

الفتاة: هل ستتخلين عني؟

الجارة بابتسامة حانية: لا بالطبع، كل يوم سأهاتفك وأطمئن عليكِ.

الفتاة: شكرًا جزيلاً لكِ لا أعلم ماذا كانت حالتي الآن وأنا أزف على ذلك الرجل؟

الجارة: أعلم أنكِ قوية وبالتأكيد كنتِ أجمل عروس، لكن لم يحين الوقت بعد لهذا الأمر.

الفتاة: ألا تخشين من مسؤولية ما فعلتيه معي؟

الجارة: كم أنتِ ثرثارة يا صغيرتي، لكني لا أخاف في الحق لومة لائم وإن حدث شيء لا علاقة لي بكِ.

الفتاة بذعر: هل ستسلمينني لهم أنتِ وعمي؟

الجارة بضحك: كم أنتِ ساذجة يا عزيزتي، لا لن يحدث هذا عمك إن كان سيفعل ذلك كان من البداية آبى ذهابك إليه وأنا كنت أخبرت والدتك عما تنوين فعله.

الفتاة بأريحية: أوشكت على الركض بعيدًا الآن يهون علي القفز من القطار وهو يسير ولا أعود إلى جهنم مرة أخرى.

الجارة: لا تصل إلى تلك الدرجة، لكن لا تنسي حديثي عن الاختيار الصحيح وقرارتك تكون نابعة عن رضاء ومن داخلك الآن أستريحي قليلاً غدًا ورائك يومًا شاق.

الفتاة أغمضت عينيها واستسلمت لسطان النوم الذي احتلها وهي تدعو بداخلها أن تنجح خطتها في الهرب من الزفاف المرعب الذي خيل لها.

وبعد أن وصلا إلى القاهرة استقلوا عربة ذاهبين إلى الإسكندرية حيث يقطن عمها واستقبالهم بحفاوة خاصة ابنة أخيه التي لم يرها منذ فترة.

الفتاة: اشتقت إليك كثيرًا يا عني كيف حالك؟

العم: ابنة أخي الغالية الحمدلله دائمًا وأبدًا يا جميلتي، فكم مر دون رؤيتك.

الفتاة: هل أنت جاد في سفري معك يا عماه؟

العم: بالطبع عزيزتي، فأنا لن أتركك إلى ذاك الظلم والجشع من والديك في سبيل المال.

الجارة: الحمدلله الآن اطمئن قلبي عليها أترككم في رعاية الله وحفظه.

العم: أشكرك بصدق سيدة ليلي على إنقاذ تلك الصغيرة من براثن والديها.

الجارة: الشكر لله وحده يا سيد هذا واجبي اعتني بها جيدًا إلى اللقاء عزيزتي الصغيرة.

الفتاة احتضنت جارتهم بحب مودعة إياها على أنل لقياها مجددًا، لكن بعدما تعود إلى الوطن وهي على دراية كافية بمواجهة عائلتها وهي أقوى مما فيه الآن؛ فهي تحمد الله على نعمة العم في حياتها، لولا تلك السيدة التي رأيت طفولتها التي توؤود على يد أناس لا يعلمون الحنو والرحمة بشيء آنى لطفلة تتحمل عبء عائلة وزواج في عمرها الصغير ذلك؟ 

حتى أن الطمع أحيانًا يجعلنا عرضة لخسارة ما بين أيدينا؛ بسبب عدم الرضاء وشكر الله على نعمة، فكم من فتاة انساقت إلى زيجات مثل هذه وهي مرغمة لا تعرف الاعتراض على أمرًا لا يليق بها البتة وكانت العاقبة لا تحمد مطلقًا في أوان لا يجدي نفعًا الندم فيه.

عن المؤلف