الكاتبة:- سلسبيل حسين
هناك حقائقٌ مُرَّة لا يُمكن للإنسان الهروب منها مهما حاول، تلاحقه في كلِّ مكان، وتخترق روحه كالسيوف الحادَّة التي لا ترأف به. أولها أنَّ الحياة ليست عدلاً مطلقًا، وأنَّ البشر ليسوا سواسية في الفرص أو الحظوظ. يُولد البعض في أفراح، وآخرون في آلامٍ لا تنتهي، ولا عدل بين ذلك، مهما حاولنا أن نُجمِّل الصورة، تظل الحقيقة مريرة: الحياة تفضِّل بعض الناس على آخرين، ولا يُمكننا تغيير ذلك.
الحقيقة الثانية، أنَّ البشر مهما بدوا لنا أقوياء، فإنهم يحملون في داخلهم جروحًا لا تندمل، وأحلامًا محطَّمة لا تُرى، بل تبقى مدفونة تحت قشور الوجوه المتماسكة. كلُّ واحدٍ منا يحمل عبئًا من الخيبات والآلام التي لا يفهمها الآخرون. قد تبتسم في وجه العالم، لكنك لا تستطيع أن تزيل عنك الحزن الذي يعشش في قلبك.
وثمة حقيقة أكثر قسوة، وهي أنَّ الزمن لا يُرجع شيئًا مما فقدناه، لا يحنُّ إلى ما ضاع، ولا يعيد اللحظات المفقودة. نركض وراءه، نلهث بين لحظةٍ وأخرى، لكن الزمن لا يتوقف ليُصغي إلى آلامنا. كل لحظةٍ تمضي تأخذ معها جزءًا منا، وكل ذكرى تبتعد تترك مكانها فراغًا عميقًا، لا يملؤه سوى الأسئلة: هل كان هناك من فرصة لشيءٍ آخر؟
وأشدُّ الحقائق قسوةً هي تلك التي تتعلق بالحب. هناك حبٌّ يتغير، يتبدد، يذبل، ويُمحى من الذاكرة كما لو أنه لم يكن يومًا. يرحل الأحبَّة، وتبتعد العيون التي طالما نظرنا إليها، وتظل الحقيقة الصارخة: أنَّ الأشخاص الذين نحبهم قد يرحلون فجأة، وقد نتعلم أن نعيش بدونهم، وإن كان العيش دونهم هو أشدُّ أنواع الألم.
ثم تبقى حقيقة أخيرة، وهي أنَّنا مهما حاولنا أن نُهرب من الواقع، فإنَّه في النهاية لا يرحمنا. قد نبحث عن طرق الهروب في السفر أو في التسلية أو حتى في التظاهرات الكاذبة للسعادة، ولكننا في النهاية نجد أنَّ الحقيقة لا تزال تلاحقنا، لا تفارقنا. الحياة لا تسير كما نريد، ولا تقف عند أحلامنا. وهذه هي الحقيقة، الصعبة، التي لا مفر منها.
المزيد من الأخبار
صراع
ماشي
بين طيات الزحام