بقلم: عبير البلوله محمد
في الوطن الذي ترعرعت فيه، حيث كانت الطرقات تضج بالحياة والضحكات تتردد في الأرجاء، أشعر الآن كما لو أنني ضيف غير مرحب به، أعيش في مدينتي التي أحفظ شوارعها عن ظهر قلب، لكن كل زاوية فيها تلفني بشعور الاغتراب، كأنني أتمشى بأطراف ثقيلة وسط أحلامي ذاتها.
كانت الحرب قاسية على الجميع، فقد داست بقدمها الثقيلة على أحلامنا وذكرياتنا، ونجحت في تمزيق النسيج الذي جمع بين ماضينا وحاضرنا.
أصبحت المدينة تشبه شبكة صيد مهترئة، بثقوب واسعة تتسرب منها كلم محاولاتنا لإعادة جمع ما تبقى من شظايا أرواحنا.
في الأزقة الضيقة التي كانت تعج بالباعة المتجولين وضجيج الحياة، تحولت الطرقات إلى مساحات فارغة، تتردد في جنباتها أصوات الأنين من بين الأنقاض. المنازل التي كانت يومًا تعج بالدفء، أصبحت كالأصداف الفارغة، حملًا ثقيلًا على الأرض لا يحمل سوى ذكرى ماضيها الجميل.
أصعب ما في الأمر هو التحرك وسط تلك الذكريات المتناثرة، حيث كل خطوة تعيد لك شريطًا من مشاهد الحياة التي كانت هنا يومًا، تجد نفسك تمشي في مرايا مكسورة لتحاول الهرب من انعكاسات الألم النازف من كل زاوية.
رغم كل الدمار، هنالك بصيص أمل ينبعث من ذلك الركام، إذ أن الوطن ليس مجرد جغرافيا، بل هو تلك الروح القابعة في أعماقنا، نحاول أن نعيد لملمة أجزاء هويتنا في كل يوم جديد، ونبحث عن الجمال في تفاصيل الحياة الصغيرة التي ظلت تقاوم الفناء.
يتمحور الصراع الآن بين الاستسلام للواقع القاسي، أو استكمال الرحلة نحو بناء مستقبل جديد يعتمد على القوة التي وُلِدت من ركام الماضي، ربما سننجح في بناء وطن جديد على أساس الحب والاحترام، وطن لا يُنهي علاقاته بالحروب، بل ينطلق نحو السلام الذي يحلم به الجميع.
المزيد من الأخبار
صراع
ماشي
بين طيات الزحام