مشتاقة إلى حجر عائشة 

Img 20241216 Wa0010

 

ملاك عاطف

هنا، في وسط الهموم، تحيطني أكوام من الكآبة، وتستوطنُ صدري أثقال حزنٍ بليغ، وتشوّشُ ذهني سوداويّةٌ تبعثر الخوفَ بفوضاويّةٍ في شتّى غُرُفات عقلي، وتجري من تحت جنّات شغفي الذّابل أنهارٌ من الاختناق المتأجّج بنار الحنق. وهنا، إلى جانب نافذة غرفَتي، تنجرفُ زيتونةٌ بكامل شموخها مع تيّار حلكة الّليل؛ لتغطس خضرتها في نومٍ عميقٍ يصلحُ للهروبِ -ولو قليلًا- من طوفان الوحشيّة الّذي ربّما سيرشقها بعنفٍ بخرطوم دمويّته الّتي تصبُّ شلّالات قهرٍ في قلوبنا. وهنا، فوق سماء مدينَتي المرتعشة، تخيّمُ سحابة سابحة، تروحُ وتجيءُ على مرمى بصرِ عصفورٍ شريدٍ ينظرُ إليها؛ متمنيًّا أن تكونَ خيوط خيرها القطنيّة النّاعمةِ حاملةً في ثناياها الرّقيقةِ مطرًا من سلامٍ، أو فرجٍ، أو أمانٍ، أو حرّيّة،أو من أولئك مجتمعين. وهنا، على زخارف سجّادتي، تسقط دمعةٌ حارّةٌ، وترسمُ بقطرتها خطّ وجعٍ يهزّ النقوشات ويعبرها؛ جاعلًا نقطةَ نهايته على هيئةِ قبلةٍ يتيمةَ الرّاحةِ مطبوعةً بشوقٍ على الكعبةِ حيثُ القبلة، وحيثُ بوصلةُ المناجاة. وهنا، على الحائط قُبالتي قد علّقت شاشةٌ ما ملّت من عرض مشاهد البؤس، والفقد، والدّمار، والفقر، والتّعب الّتي لو خصّصنا لمعانيها قاموسَ وجعٍ يضمنُ لصوتها لغة، لَفاضَ القاموسُ مهما طالَ مداده من البياض. وهنا، في بلدي، وسائد كثيرةٌ يشهدُ انتقاعها بالعبرات الأسيّةِ على ضيق أُناسٍ قد أدمنوا التّظاهرَ بالنّوم، وصادقوا الكتمان، وتسلّقت دوالي حسرة قلوبهم على عروقهم بلا شفقة، وألفَتْهم بحّة الأنين، وسكنت إليهم عنوةً أزواجٌ كثيرةٌ من الواجبات؛ فحالت بينهم وبينَ ارتمائهم على سرير رفاهيّة الانهيار. وهنا أمنيتي، تنظرُ إليّ، وإلى العصفور،و السّحابةِ، واللّيل، والوسائد، والشّاشة، والزّيتونة، والبلاد، والسّجّادة، تنظرُ إلى كلّ مذكورٍ في نثري، بل تتعدّى حدود المذكور إلى ما هوَ أشدُّ وطأةً وأعمقُ تأثيرًا، وأكثرُ قساوة، تنظرُ إلينا جميعًا بيدينِ متربّطتين بأمنيةٍ لها هي أيضًا. وهل للأمنياتِ أمنياتٌ ايضًا؟ أجل، لأمنيتي أمنيةٌ عظيمةٌ طاهرةٌ جميلةٌ نقيّةٌ حدّ تلاشي النّقاء، إنّها تتمنّى أن تنامَ هي وكلّ ما ومن رأتهم في حجرِ عائِشة؛ فتمسّدَ على شعرنا، وتربّتَ على أكتافِنا، وترقيَنا بصوتٍ عذبٍ دافئٍ رقراق، وتزمّلنا بحنانها وأُمومتها الزّكيّة؛ فتذهبَ ما ألمَّ بنا، وتعيدَنا إلى حياتِنا من جديدٍ؛ كي نستكملَ ما تبقّى لنا من أسئلةٍ على ورقةِ الاختبار، ثمّ نخلدَ في برزخنا، ونلتقي بها مجدّدًا في الرّفيق الأعلى.

عن المؤلف