عصرنا الجاهلي

Img 20241216 Wa0020

 

بقلم: الطاهر عبد المحسن

 

في زمنٍ ظننا فيه أننا تجاوزنا غياهب الجهل والظلام، وأننا بلغنا قمة التطور والتحضر، وجدنا أنفسنا نعيش عصراً جاهلياً جديداً، ولكنه مختلف عن الجاهلية القديمة. جاهلية هذا العصر ليست بسيوفٍ مرفوعة ولا بخيامٍ منتصبة تحت لهيب الصحراء، بل هي جاهلية العقول المغلقة، والأفكار المتحجرة، والأرواح المُقيّدة بأغلال التحيّز والتعصب.

إنه عصرٌ يزدحم بكل مظاهر التقدم والتكنولوجيا، حيث نمتلك أدوات الاتصال السريع وأجهزة الذكاء الاصطناعي، ولكن بالرغم من ذلك، نجد أرواحنا تفتقر إلى المعنى الحقيقي للإنسانية. أصبحنا في زمنٍ تُقاس فيه القيم بعدد الأموال والممتلكات، وتُسكت فيه ضمائرنا بصخب الشهرة، والمناصب، والنجاح الزائف الذي يفتقر إلى الأخلاق والمبادئ.

لقد صرنا نعيش في مجتمعاتٍ تعلو فيها أصوات الكراهية والتمييز على حساب المحبة والتسامح. باتت حياتنا تدور حول المصالح الشخصية، وأصبح الإخلاص فضيلة نادرة، والصداقة الحقيقية عملةً شبه منقرضة. أما الحلم، فقد تحول إلى رفاهية لا يحق للكثيرين امتلاكها، يُقتل في مهده تحت وطأة الظلم والجهل.

جاهلية هذا العصر ليست في انعدام المعرفة والمعلومات، وإنما في انعدام الحكمة والبصيرة. إنها جاهلية تسود فيها المظاهر على الجوهر، ونقيم فيها الأشخاص على أساس المظهر الخارجي أو الطبقة الاجتماعية، متناسين أن القيم الحقيقية لا تُقاس بالماديات بل بما تحمله القلوب من رحمة ونقاء.

في الماضي، كانت الجاهلية تُبرر بغياب العلم والنور، لكننا اليوم نعيش جاهلية من نوع آخر، نطفئ فيها أنوار الحقيقة بأيدينا، ونهرب من المواجهة مع أنفسنا ومع المجتمع. أليس هذا الجهل أسوأ من جاهلية الماضي؟ في ذلك الزمن، كان الإنسان يجهل الحق ويسعى للوصول إليه، أما نحن، فقد عرفناه ثم تجاهلناه.

عصرنا الجاهلي هو دعوة للتأمل في حقيقة ما أصبحنا عليه. إنه صرخة عالية تسألنا:

متى نستفيق من هذا السبات العميق؟ متى نعود إلى إنسانيتنا ونُعيد صياغة قيمنا على أسسٍ سليمة؟ أم أننا سنبقى نعيش في هذه الجاهلية الحديثة حتى تهزمنا تماماً؟

عن المؤلف