مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الإجرام

أمل أشرف شاكر

 

حديثُ القرن الواحد والعشرين، الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الناس غض بصرهم عنه أبدًا، صانع الفاجعة في قلوب الجميع، من الصغير إلى الكبير، تسلل إلى مجتمعنا في وقتٍ ما؛ حتى استوطن فيه.

 

ما هو الإجرام؟

وكيف استوطن في مجتمعنا؟

وما هو تأثيره على المجتمع خاصة الشباب؟

هل قد يُجرم الإنسان في حق نفسه، ولما؟

وهل هناك إجرام قد يحدث في المنزل، أم يقتصر على المجتمع فقط؟

والأهم كيف نقضي على هذا المستوطن اللعين؟

 

الإجرام هو رد فعل ناتج من الإنسان، خطأ قد يُغتفر أو لا يغتفر في حق النفس أو الآخرين، شيء رغم إدراك المجتمع جيدًا لوجوده، إلا أنه يبث الذعر في قلوبهم عند حدوثه، الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع؛ في لين قلوبهم وتعاطفهم مع ضحيته.

 

لكل شيء يحدث حولنا سبب رئيسي في ظهوره، قد يكون بيّن، أو قد يكون خفيّ، نعلمه أو نتغافل عنه، ليس بأهمية كيفية ظهوره؟

إن سألت الناس عن أسباب ظهور الإجرام؛ ستتعدد إجابتهم، ما بين ضعف الإيمان، الفقر، ضيق الحال، عدم التنشئة الصحيحة، الضغط النفسي المُلحق باللامبالاة، جميعها أسباب تستحق أن نتمعن بالنظر بها جيدًا؛ لمعرفة كيف وصل بنا الحال إلى هنا؟

أعتقد أنه استوطن في مجتمعنا؛ لبلوغ أسباب ظهوره إلى ذروتها، توفرت له البيئة التي يُفضلها ويتغذي عليها؛ حتى أصبح أشرس من ذي قبل، أصبح فردًا من أفراد المجتمع، ليس من السهل أبدًا نفيه بعيدًا، إلا إذا أردنا نحن ذلك.

 

إن تأثير الإجرام سام جدًا، يشبه تمامًا تأثير الأفعي حينما تقوم بلدغ الإنسان، إما أن تقتله أو أنه لن يسلم أبدًا من توابعها عليه، هكذا الإجرام، إما أن يتفشى على نطاق واسع، لا نستطيع السيطرة عليه؛ فيفنى المجتمع، كما حدث في بعض الدول العربية، التي كانت ضحية له، أو يتفشى على نطاق ضيق، في حدود معينة يكون غير قادر على تجاوزها، فقط تلحق توابعه بمن يعيش في هذا المجتمع، وتكون ضحيته الأولى هم الشباب.

 

الشباب الذي يفتقرون كثيرًا إلى التحلي بالإيمان، والأهم أن يكونوا أسوياء نفسيًا، أن يتقبلوا الحياة بكافة جوانبها، ليس فقط بلحظاتها السعيدة؛ بل وبأيامها القاسية، أن يتقبلوا رفض الآخرين لهم، أن يتقبلوا الفشل والهزيمة، أن يُدركوا جيدًا أن الحياة لا تمنحنا دائمًا ما نريد، وأن ما نواجهه في حياتنا من صعوبات أو ألم أو رفضٍ من الغير؛ فيتوغل الحزن بأعماقنا، ليس بمبررٍ أبدًا لإجرامهم، عليهم أن يُدركوا أن تلك الأيام التي يعيشونها هي زهرة ربيع عمرهم، هي الأمل في الحاضر، والتعلم من الماضي، والسعي للوصول إلى قمة المستقبل، عليهم أن يُدركوا أن الإجرام بكافة أشكاله قبل أن يكون أذية لغيرهم، هو أذى لأنفسهم.

 

كما أن الشيء الذي يغفل الكثيرون عنه هو أن يُجرم الإنسان في حق نفسه، أن يُلحق الظلم بها؛ نتيجة لأفعاله الإجرامية، بالتأكيد فكر مع نفسه ولو لمرة واحدة!

هل أستحق ما أنا عليه الآن؟

هل يستحق الآخرين ما لحق بهم من إجرامي لهم؟

أُأكد لك أنه لا يهتم حتى بالإجابة على نفسه، ولا يفيق من غفلته إلا بعد فوات الأوان، بعدما ينكسر شيءٌ بداخله، شيء كان سبب من أسباب إجرامه، يفيق حينما يُدرك أنه أصغر بكثير مما كان يعتقده، يفيق حينما تصفعه الحياة على وجهه، صفعة لا يُجدي الندم بعدها نفعًا.

 

وبكل أسفٍ تفشى الإجرام في كل ما يُحيط بنا، حتى وصل إلى المكان الوحيد الذي نختبئ فيه من الناس وإجرامهم في الخارج، المنزل!

إجرام الأهل في حق أبناءهم!

تبدو هذه الجملة قاسية، أليس كذلك!

ولكن رغم قسوتها إلى أنها حقيقة بكل حرفٍ بها، المعاملة القاسية والشديدة التي قد تصل إلى الضرب، المقارنة المستمرة بين أبنائهم والآخرين، الضغط النفسي في الدراسة، حتى في أهم خطوة قد يتخذها الإنسان في حياته، نعم هي بالتحديد ما فكرت بها لتوك، الزواج!

إجرام غير مبرر حجته الوحيدة أنهم يمتلكون الخبرة، أي خبرة هذه التي تكون نتيجتها الإجرام.

والأسوء في الأمر قهر وإجرام الزوج لزوجته، ولا يعنيني أن أسلط الضوء على اختيارها الخاطيء، أو على الظلم الذي لحق بها من إجبار أهلها على ذلك، ولكن يعنيني شيء واحد وهو لما قد تتعرض لذلك؟

أن تتعرض للسب، الإهانة، الخيانة، وأخيرًا الضرب، أن تحتمل الإهمال والكلمات الفظة القاسية التي تُبهت روحها، وهناك آلاف من الحالات ما بين طالب ذبح زميلته، وآخر قام بحلق شعر زوجته وقام بضربها؛ حتى لبث جسدها مُشوه.

لم يسلم أحد من الإجرام حتى الأطفال وأصحاب المشيب، نستمع يوميًا إلى حوادث الإجرام، وعن آلاف الجرائم التي ارتكبت هنا وهناك، وكان ضحيتها هذا وذاك، ولكن ما الجديد؟

ما الذي قد يحدث بعد ذلك؟

اعتاد الناس على سماع مثل تلك الحوادث يوميًا.

 

ولكن ما زال هناك أمل أخير، ما زال بإمكاننا ردع هذا الضيف خارج بلادنا ومجتمعنا، نستطيع فعلها ولكن إن أردنا نحن ذلك، أن نحاول القضاء على أسباب الإجرام، أن يكون هناك قوانين رادعة لكل من يرتكب جرم في حق نفسه أو الآخرين، على الرغم من أنه لا مبرر للإجرام، ولكن من يختارهم؛ فهم بالتأكيد ما هم إلا ضحايا له، ضعاف النفس مع أسباب قد تكون من وجهة نظرهم كافية؛ لإرتكاب هذا السلوك، الأهم أن يكون هناك دعم نفسي لمن هم ضحايا لهذا المستوطن اللعين، والذي اتخذت  وزارة الشباب والرياضة بخطوة إيجابية حيال هذه الأمر، بتعاونهم مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي Giz بتدريب الشباب على مفاهيم الرجولة الصحية، والتي بالتأكيد ستُحدث فارقًا في الحد من انتشار الجرائم.