مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

استراحة

كتبت: آية الهضيبي

نحنُ جميعًا في قطار الحياة مع اختلاف حالة و وضع كُلًّا مِنَّا، فَالبعضُ مُنعَّم أو يُخيل لهُ ذلك لِفترة مؤقتة، والبعضُ يشعُر أنَّ وحدهُ التعيس في ذلك القِطار، والبعض يغمرهُ الرضا فَكأنه لم يشقىٰ أبدًا “يحسبهم الچاهلُ أغنياءَ مِنْ التعفُف”، والبعضُ لاهيٌ في الدراسة أو السفر المُستمر أو العمل.

والحقيقة أنَّ ما نتفق عليه جميعًا هو أننا بحاجة إلى الراحة ومُجرد الشعور ليس شرطًا من وجهة نظر البعض أنْ يتحقق، وكم مِنْ أُمنيات دُفنت ولم يبُح بها صاحبها أو يعلم عنها أحد، وكم مِنْ مشاعر صادقة لم تُترجَم إلى أفعال، لنا حق التمني وعلينا السعي ولله طُرُق الإجابة والمُسببات.

 

أما النصيحة الأولى والحقيقة الأبدية في هذا المقال هي أننا جميعًا فانيون، ومع الأسف هُناك شعور قاتل يُسمىٰ “التعلُق” فكما أننا في القطار ومع كُلِّ مِحطة نودع شخص ومهما كانت درجة قُربه مِنَّا أو تعلُقنا به لابُد أنْ نتقبل ذلك، والبعض يترُكنا عمدًا دون سابق إنذار ونبقى في حيرة نُفكر في الأسباب وكيف وجدنا أنفُسنا فجأة كالطفل التائه الذي يبحث عن أُمه وسط الزحام أو يبحث عن مأوىٰ يُرمم فيه ذاته!

«هذه هي سُنة الحياة»

الأمر غريب الآن فلا نشعُر أننا بخير دون وجود الألم وكأنه شراب نيكوتين يُخدرنا لوقتٍ قليل ومن ثمَّ نعود مرة أُخرى في دوامة الحياة، قد يصل الأمر إلى إدمان الألم!

أعزائي …

اختاروا قطاراتكم بعناية، لا تركبوا ذاك القطار لمجرد أن جميع الناس اختارته ولا تتركوا ذلك القطار لمجرد أنه لم يختره سوى أراذل القوم.

اسألوا مدير المحطة بأن يدلكم على أفضل قطار وهو سيدلكم على القطار الذي يليق بكم، ولا تقلقوا فعنايته ستحفنا من كل مكان.

إذا كنت قد اخترت قطارك فلتصحبك السلامة …

وإذا كنت مترددًا فاختر بعناية …

ولم يعجبك القطار فاقفز واختر قطارك الآخر بحرص.

أما إذا فاتك القطار فاطمئن سيجلب مدير المحطة قطارًا جديدًا أو ربما سيمنعنا من ركوبها لأنه يعرف بأنها لا تناسبنا.

الحياة محطة مهمة فيها العديد من القطارات، ولكل قطار مساره .. أحيانًا نخطئ في اختيار القطار المناسب، أحيانًا يتوقف القطار، وأحيانًا ينحرف القطار عن مساره، أحيانًا نشعر بعدم الارتياح بالقطار فنقفز قبل أن يصل القطار إلى وجهته محاولين إيجاد فرصة ثانية لاختيار قطار أفضل.

أحيانًا نتأخر في معرفة ما إذا كان هذا القطار هو الخيار الأمثل للوصول إلى أهدافنا لنكمل مسيرة الحياة، وقتها لن يفيد القفز من القطار لن يفيد سوى شيء واحد هو الرضا.

أحيانًا كثيرة لا نريد أن نمضي في هذا القطار أو هذا الطريق بسبب بعض الظروف أو ربما يمكننا القول بأن السائق قد غدر بنا وأغلق الأبواب ولم نستطع القفز وقتها اتصلوا بمدير المحطة واطلبوا منه الفرج، هو من يستطيع تغير القطار ومسار القطار إلى المسار الأفضل، هو من يستطيع فتح الباب وجميع الأبواب، ولا تقلقوا فالتواصل معه لن يحتاج سوى بعض الخضوع وهو سيتكفل بالباقي هو الوحيد الذي يعرف المسار الصحيح لنا.

البعض ذكي يعرف جيدًا كيف يعيش باتزان ويستغل كُلَّ شيء بطريقة سليمة بِقدْر الإمكان؛ فليس شرطًا أنْ نتسبب في جُرح عميق لِأحدهم إلى أن تأتي المحطة التي سننزل فيها، أو رُبما قُدِّر لأحدهم أنْ يُلقَّن درسًا مِن القَدَر وأنت مُجرد سبب، أو رُبما لأنه يستحق ذلك!

الحق الذي لا يُمكن لأحد أنْ يُنكره؛ لأن الله هو الذي خلقنا وهو الأرحم بِنا، هو حق أن نأخُذ قسطًا من الراحة؛ لِنستطيع استكمال الرحلة مهما كانت، ونتعايش ونتقبل أننا خُلقنا في كبد، وألا نسمح باستنزاف طاقاتنا فيما لا يُفيد، الجميع يستحق استراحة ولو قصيرة ولا سيما إذا كانت استراحة نفسية.