مُواساةٌ

Img 20250525 Wa0017

 الكاتب : محمد طاهر سيَّار الخميسي.

 

أعلمُ أَنَّ قلبكَ محزُونٌ، وعَيناكَ غائرتانِ بالدُّمُوعِ، لفقد نجمٍ زاهِرٍ بالْأملِ، كان يتَرَاءَى أمامَ ناظريكَ، يملأُ عينيكَ نُورًا، وقلبكَ سُرُورًا. ولكنَّ هذهِ هيَ الحيَاةُ، وذلكَ هُوَ الْفراقُ، فراقُ الموتِ سُنَّةٌ في الخَلقِ مِن أبناءِ آدم، سواءً كُنتَ في القصرِ أو في الكُوخِ، أو ارتَقت نعليكَ إِلى الجوزاءِ، أَو كُنتَ نائمًا في بساط الغبراءِ، سيحملُونَ نَعشكَ على آلةٍ حدباءَ.

 

خفِّف من حُزنكَ، وكَفكِف من دمعكَ، وإلهم نفسكَ بالصَّبرِ، وَكُن مُواسيًا لنفسكَ، وَأَكرِم فقيدكَ بالدُّعاءِ. وأفرَح لأنَّهُ رحل إِلى الحياةِ الأبديَّةِ، وارتقى أعلى منزلةٍ في الجنَّةِ، حيثُ النَّعيمُ المُقيمُ، والفرحُ الدَّائمُ.

 

لا تُهلك نفسكَ بأيِّ طريقةٍ قُتل، ولا بأيِّ سببٍ مات، كان غدرًا بسهمٍ غادرٍ، أَم خطأً برصاصةٍ أحرقت كبد من أطلقها.

 

لرُبَّما هُو أشدُّ ألمًا منكَ لقتلهِ، ولرُبَّما كانَ يرجُو لقاء ربِّهِ، ويتمنَّى الشَّهادة. 

 

إِنَّني أشعُرُ بهولِ الموقفِ، وحجمِ المُصيبةِ، عليكَ وعلى أهلكَ وأقاربكَ، من الطَّرفينِ، أهل فقيدكَ، وأهلِ من وضعَ أُصبُعَهُ على الزِّنَادِ، ورمى بنَفسهِ فكي السِّجنِ، وبينَ أعفاءِ ومصالحه، أو أعتقَ رقبةً، أَو قصَّ حدًّا، كما شَرعَ اللَّهُ، حتَّى يعلمَ النَّاسُ أَنَّ اللَّه وضع في كُلِّ جُرمٍ عُقُوبةً.

 

هَوِّن عليكَ، لا أنتَ بأوَّلِ من أصابهُ سهمُ الزَّمانِ، ولا أنتَ أوَّلُ من بكى فقيدًا، ولا فقيدُكَ أَوَّلُ من قُتل في هذهِ المعمُورةِ.

 

لولا فقدُ النَّبي صلى اللَّه عليه وسلم، ذلكَ الزَّمانَ أهلهُ وأحبته لما كانَ سُمِّيَ ذلكَ العامَ بعامِ الحُزنِ. ومن حقِّكَ أَن تشعُر بالحُزنِ، ولكنَّ وما كان من اللَّهِ فهُو الحَقُّ. أذكُر نفسكَ بالصَّبرِ والاحتسابِ، وأحسن الظَّنَّ باللَّهِ، وتذكَّر أَنَّ الدُّنيا دارُ ابتلاءٍ، والآخرة دارُ جزاءٍ. واعلم أنَّ ما أصابكَ لم يكُن لِيُخطئكَ، وما أخطأكَ لم يكُن ليُصِيبكَ. فَاصبِر صبرًا جميلًا، واحتسب أجركَ عند اللَّهِ، وكُن على يقينٍ بأنَّ اللَّه معكَ، وبأنَّ الفرج قريبٌ.

عن المؤلف