كتبت: هاجر حسن
للصمت أوجهٌ شتى، فمنه ما يكسوه الوقار، ومنه ما يفيض حكمةً ورقيًا. فليس كل صمتٍ يخفي خلفه خوفًا أو خجلًا ابتلع الكلمات، بل هناك صمتٌ يعبر عن قيمة النفس، وصمتٌ يدل على الرقي، وصمتٌ تجيب عنه الملائكة عوضًا عن الإنسان.
شتم رجلٌ أبا بكرٍ رضي اللّٰه عنه، والنبيُّ صلى اللّٰه عليه وسلم جالسٌ، فجعل النبيُّ صلى اللّٰه عليه وسلم يعجب ويتبسم، فلما أكثر رَدَّ عليه ألو بكر بعض قوله، فغضب النبيُّ صلى اللّٰه عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: “يَا رسولَ اللّه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددتُ عليه بعض قوله غضبتَ وقمتَ؟” فقال صلى الله عليه وسلم : “إنه كان معك مَلَكٌ يرُدُّ عنك، فلما رَدَدْتَ عليه بعض قوله وقع الشيطانُ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان.” ثم قال:
“يا أبا بكر، ثلاثٌ كلهنَّ حقٌّ: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلَّا أعز الله بها نصره…”.
فليس كل صمتٍ ضعفًا، ولا كل حديثٍ قوة، بل إن الصمت في مواضع كثيرة أشد وقعًا من الكلام، فبعضه سيفٌ مصلت، يبتر سفاهة الجاهل ويخرس بذاءة اللسان، كما حدث مع أبي بكر رضي اللهُ عنه حينما صبر على الأذى، فكان له ملكٌ يردُّ عنه، فلما ردَّ بنفسه وقع الشيطان. وفي المقابل، هناك حديثٌ لا يزيد صاحبه إلا وهنًا، محضُ صخبٍ أجوف، كصوت بوقٍ يملأ الآذان ضجيجًا ولا يملأ العقول معنى، فلا يورث صاحبه إلا الندم بل ويُسعد به الشيطان.
فاصمت عن الأحمق وبذيء اللسان، وابتعد عن مجادلة المتكبر والسفيه، ولا تخض في نقاشٍ عقيم تتسلل إليه الغيبة والنميمة، فتجد نفسك في دائرة يحاوطها حضور الشيطان.
تعلم فنَّ الصمت، كما تعلمت فنَّ الحديث، فالصمت لغة الحكماء، لا يقرؤها إلا أصحاب العقول الراجحة.
المزيد من الأخبار
عالق وحدك بين الذكريات!!
ناقصات عقل
الجامعة