كتبت: هاجر حسن
للروائح لغة سرية وذكرى منقوشة في الروح. لكل رائحة حكاية تخاطب القلوب والأرواح، كأنها آلة زمنية تسافر بنا عبر أطياف الذكريات، تتأرجح بنا بين حنين الماضي وشوق الحاضر، وتظل محفورة في الذاكرة للمستقبل.
وكما تحمل الروائح ذكرياتنا، فإن لكل شعور عبيره الخاص. فهناك رائحة للثقة، وآخرى للخوف. رائحة للحب، ونقيضها للكره. رائحة للسعادة، ورائحة للحزن. لكل منا عطر يرتبط بذكرى، يأخذنا إلى لحظة محفورة في أعماقنا.
كرائحة المخبوزات التي تغمرنا بدفء الأمومة، فتشعر أيدينا الصغيرة بدفء يد أمهاتنا. ورائحة الياسمين التي تهمس بالأمان، تمامًا كما كانت رائحة أمي.
أما رائحة الكتب، فهي مفتاح لعوالم الخيال، تأخذني إلى ذكرى مع أبي، أو إلى مكتبة الفصل المدرسي، فتغمرني بسعادة خاصة.
لكن ليست كل الروائح متساوية في الشعور، فرائحة الأشجار قد تسافر بنا إلي الجبال والطبيعة، إلى حديقة سرية أو قرية الجدة البعيدة، حيث الأصالة والجمال، لكنها قد تثير في البعض شعور التيه والضياع إذ ارتبطت بذاكرتهم بذكرى مؤلمة. ورائحة الأخشاب تمنح البعض سرورًا، لكنها تبعث في آخرين إحساسًا غريبًا بالخوف، وكأنها تذكرهم بالغياب والرحيل.
ورائحة المطر، كما تعيدنا إلى ذكرىات الطفولة، إلى مرح وقفزات وسط الماء، قد تبعث في البعض شعورًا بالبرد القارس أو الخوف من الوحدة والفراغ.
وهكذا تفتح الروائح نوافذ خفية تطلّ منها الذكريات، وتملك قدرة إعجازية على إحياء المشاعر، كرسائل غير مرئية تتسلل إلى أعماقنا.
وكما قال يعقوب عليه السلام: ” إني لأجد روح يوسف”، فإن بعض الروائح قد تعيد إلينا طيف من ظننا أننا فقدناهم، تهمس لنا بأمل اللقاء، كما حمل قميص يوسف البشرى إلى أبيه وأعاد له نور بصره بعد طول فراق.
هكذا هي الروائح، بين ما يمنحنا الدفء وبين ما يبعثرنا، بين ما يوقظ فينا الحنين وما يعيد إلينا الخوف. لكل رائحة حكاية مخفية، لغة سرية تهمس للأرواح، وشعور مختلف يتسلل إلينا.
ويبقى السؤال: هل الروائح مجرد مزيج من الجزيئات الكميائية المركبة؟ أم أنها سرَّ خفيّ، له لغة تخاطب الأرواح، يوقظ المشاعر كما يشاء؟
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية