سفر إلى نور الذات

Img 20250209 Wa0095

 

بقلم: محمد آدم(فيفتي)

 

في ساعة الصباح الأولى، حيث تلامس أشعة الشمس الفاتنة سجاد الأرض البكر، تتنفس الأرواح بعبق الفجر وتنطلق العقول في تأملات عميقة. 

هنا، في هذا المكان الهادئ، تبدأ رحلتنا في عالم الأخلاق، لِنبحث في كنه الأفعال الإنسانية، ونزنها بميزان الحكمة والقيم.

 

الفلسفة الأخلاقية ليست مجرد قواعد جامدة تُحفظ، بل هي ينبوع حياة ينبثق من أعماق الروح، إنها كالشمس تُشرق على القلب، وتضيء دروبه بالحق والعدل. وكالقمر، تتسلل بنورها الهادئ في الليالي المعتمة لتكشف عن جمال الفضيلة ومعانيها العميقة.

 

ففي عالمنا المعاصر، تتعدد التساؤلات: ما الذي يجعل الفعل أخلاقيًا؟

 وهل الخير والشر ثابتان أم يتغيران مع الزمان والمكان؟ 

هذه الأسئلة ترن كأجراس في قلوب الفلاسفة وتدعوهم لاستكشاف أعماق الذات والكون.

 

كانط، الفيلسوف الألماني الجليل، يرى أن الأخلاق تقوم على مبدأ الواجب. الواجب، في نظره، هو النور الذي يوجه أفعالنا، بعيدًا عن المصالح الشخصية والنتائج المتوقعة. كأن الإنسان في طريق مظلم، والواجب هو البوصلة التي تهديه للاتجاه الصحيح.

 

وفي زاوية أخرى من العصور، يظهر لنا أرسطو، الفيلسوف الإغريقي العريق، ليعلمنا أن الفضيلة تكمن في الوسطية. الفضيلة هي الجسر الذي يصل بين الإفراط والتفريط، كالنهار بين الليل والصباح، وكالنهر بين الضفاف.

 السعادة هي الهدف الأسمى، ولكنها لا تأتي إلا بالاعتدال والتوازن.

 

وتحت ضوء القمر الذي يعكس جمال الفضاء اللامتناهي، يقف جون ستيوارت ميل ليؤكد لنا أن الفعل الأخلاقي هو الذي يحقق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس. 

 السعادة هي النجمة التي تضيء ليل الأرواح، وكلما زاد بريقها، زاد نورها وعمَّ نفعها.

 

وفي حقل آخر من الفكر، يبرز جون رولز بفكرة العدالة كقاعدة أساسية للعلاقات الإنسانية. العدالة، بالنسبة له ، هي الوردة التي تتفتح في حدائق الأرواح النقية، وتمنح الجميع فرصة العيش بكرامة واحترام.

 

الفلسفة الأخلاقية هي تلك الرحلة التي تبدأ من الذات وتنتهي بالعالم. هي السعي المستمر نحو النور الداخلي، نحو فهم أعمق للقيم والمعاني. إنها ليست مجرد علم يُدرس، بل هي نبض الحياة الذي يمنح وجودنا معنى وهدف. وبينما نمضي في هذه الرحلة، نتعلم أن نكون أكثر إنسانية، أكثر حكمة، وأكثر قدرة على الحب والعطاء.

 

 الفلسفة الأخلاقية ايضًا ليست فقط موضوعًا للدراسة، بل هي منهج حياة، يضفي على وجودنا البهاء والكمال، ويجعل منّا إنسانًا أفضل، يعيش في سلام مع ذاته ومع العالم.

عن المؤلف